حــكاية ”حياه ” قصه قصيره بقلم غاده سمير

جلست علي مقربه من النافذه تنظر إلي حبات المطر وهي تتهادي في دلال لتستقر علي الزجاج الذي حجب الرؤيه بعض الشيء عنها ، ودون شعور امتدت يداها لتزيل ما يمنع عنها متعه إستكمال و متابعه الطريق .. وتنبهت إلي من يقف امامها ودون أن ينظر جلس علي المقعد المقابل لها واخرج هاتفه النقال، وبدأ في الكتابه دون أن يرفع عينيه أو يتحرك ..استمر فيما يفعل لوقت طويل وعيناه مثبتتان، وكأنه يؤدي مهمه أراد أستكمالها دون توقف ،عادت ”حياه” لمتابعة الطريق من خلف النافذه، واذ بسيده تطلق صرخه مدويه جعلت كل الركاب تنظر تجاها في هلع، لتفاجيء بها تكمل تعنيف ولدها الصغير، الذي تمتم في غضب وتحرك دون توقف، وكأنه أصابه شيء افقده قدرته علي الثبات .
شردت ”حياه ” وعبر النافذه سافرت بخيالها إليه، ها هو يقف هناك في شرفته متظاهرا بأداء بعض التمرينات الرياضيه البسيطه ،ابتسمت وهي تتظاهر أيضا بوضع بعض الوسائد علي سور الشرفه، فقد أعتادت عند رؤيته من خلف النافذه أن تسارع لفعل أي شيء يبرر وجودها للحظات، قاطع ذلك صوت رجل قد صرخ فجأه متهما من يجلس بجواره بأنه لا يفهم أبعاد الوضع السياسي الحالي الذي يمر به العالم، وأنه ليس إلا مجرد جاهلا، لم ولن يرقى لمستوى ثقافته ،وأبدى ندمه الشديد علي هذا الزمن الذي جعله- وهو أحد أفراد أكبر العائلات المصريه العريقه يجتمع مع أمثال ذلك الرجل .عادت ”حياه ” إلي الشرفه و إلي” أمير ” حب الطفوله والشباب رأته أمامها سابحافي دمائه بعد أن اصابته تلك الرصاصه ،تذكرت عيناه وهي تشاهدها للمره الأخيره وقد فقدت كل معاني الحياه ،وضعت يدها علي عينها ودون أن تشعر بكت بشده، حتي تساقطت الدموع وتعالي صوت البكاء ليجعل الرجل الذي يكتب يرفع عيناه لأول مره وينظر إليها نظره يملؤها العطف ،وكأن رؤيتها تبكي أثار لديه هو أيضا ما أثار، فالكل لديه ما يخفي عن أعين الجميع في صندوقا اسود بعيد يمر عليه كل يوم وربما لا يحاول فتحه إلا مرات قليله بالعمر .
توقف القطار ونزل الجميع منه كل ذاهبا إلي وجهته ومقصده، دون أن يلتفت لينظر إلي وجه الآخر ..خرج الجميع من القطار إلي خارجه وكانت ” حياه ” تقف وحيده تنظر بعيدا تنتظر وانتظرت كثيرا، ثم ذابت بين تلك الأجساد المتلاحمه وغابت عن النظر .

طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى