الحقيقة الكاملة وراء تيران وصنافير بقلم أسماء محمود

قام الرئيس المصري بصفقة «اعطاء» أو «بيع» أو «إعــــادة» جزيرتي تـــيران وصنافير إلى السعودية، من ضمن صفقة مليارات المعونات والاستثمارات التي رافقت زيارة الملك السعودي إلى المحروسة.
جزيرتان لا سيادة مصرية عليهما سوى سيادة اسمية لأنهما تحت سلطة القوات الدولية وبالتحديد الأمريكية، ولن تكون هناك سيادة سعودية عليهما، لأن السيادة سوف تبقى للملحق «ج» في اتفاق كامب ديفيد.
هل دفعت السعودية كل هذه الأموال من أجل سيادة اسمية على جزيرتين؟
وهل قبضت مصر من أجل التنازل عن سيادة تنازلت عنها في كامب ديفيد؟
انها مسألة محيرة وغامضة، الواضح الوحيد هو الدلالة الرمزية. مصر تتنازل رمزياً عن أرض سفكت من أجلها دماء ألوف الجنود المصريين، والسعودية تضم إلى ارضها بشكل رمزي جزيرتين في خليج العقبة، لم تطالب بهما خلال مرحلة الصراع، وتذكرتهما الآن، وليس بعدما استعادتهما مصر رمزيا بعيد حرب اكتوبر. هل دخلنا في مرحلة السيادات الرمزية بعدما فقدنا السيادة الفعلية؟
أم أن هناك ما بعد هذا التنازل، الذي يعني التزاما سعوديا بكامب ديفيد، مثلما أعلن وزير الخارجية السعودي، أي تمدد السلام مع إسرائيل إلى الجزيرة العربية؟
ردة فعل الشارع المصري طبيعية وضرورية، فلقد انتفض الناس ضد امتهان أرضهم، وربطوا بين امتهان الأرض وامتهان الكرامة. فالمارشال السيسي أطاح ويطيح بكل إنجازات ثورة 25 يناير، ويعيد تأسيس سلطة عسكرية مستبدة متحالفة مع رجال الأعمال ، ويضع الشباب في السجون، ويدمر حقوق الانسان، ويفعل ما يشاء ويفتعل بالناس ما يحلو له، يسجن الكتّاب ويلاحق الناشطين ويَعد برفاهية لن تجلبها أموال واستثمارات لا رقيب عليها.
يقوم بعملية تهريب للتنازل عن جزيرتين بشكل لا يصدّق. مفاوضات سرية، هذا اذا افترضنا وجود مفاوضات، وتغييب للرأي العام، وقرار مفاجئ يحوّل تاريخ مصر المعاصر إلى مهزلة. كارثة 67 كانت بسبب مضيق لا تملكه مصر وتضحيات المصريين وقتلاهم ذهبت هباءً.
انتفاضة المصريين ضد «عواد الذي باع أرضه» هي اكبر من مجرد رد فعل، فهي تحمل كل مؤشرات استئناف العملية الثورية التي بدأت عام 2011، والتي اعتقدت الطغمة العسكرية انها أطفأتها في «30 يونيو».
أما ما كان ويكون من أمر الاصرار السعودي على الاستحواذ على الجزيرتين، فهو السر الكبير الذي لن يبوح به أحد.
ماذا تريد السعودية من جزيرتين تتحكمان في البحر الأحمر، أي تتحكمان نظرياً بالملاحة الإسرائيلية، وكان قرار ناصر بإقفال مضائق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية السبب المعلن لحرب يونيو التي انتهت بكارثة الهزيمة؟
هل قررت المملكة الدخول إلى لهب الصراع العربي الإسرائيلي من بوابة ناصر وسط تعدد جبهات القتال السعودية في المنطقة وخصوصاً في اليمن؟ أم انها استفاقة «وطنية سعودية» على ضرورة استعادة الأرض؟ أم ماذا؟
الافتراض الأول بلا معنى، لأن السيد عادل الجبير أعلن أن دولته تلتزم باتفاق السلام وحرية الملاحة ووجود القوات الأمريكية، والافتراض الثاني يبدو هشاً، لأن الاستفاقة جاءت متأخرة كثيراً وفقدت تالياً معناها، يبقى الافتراض الثالث أي ماذا؟
هنا يقع جوهر الموضوع، فالاتفاق لم ير النور إلا بعد الموافقتين الإسرائيلية والأمريكية. أي نحن أمام اتفاق رباعي ولسنا أمام اتفاق ثنائي مصري- سعودي. والسؤال هو عن مغزى الموافقة الإسرائيلية، وهل تمت مفاوضات سرية من اجل التوصل إلى الاتفاق، وما هي المصلحة المشتركة الإسرائيلية السعودية واستطراداً المصرية من هذا الاتفاق؟
لا يملك احد معطيات ملموسة لشرح هذا اللغز، لكننا نملك مؤشرات متعددة، تسمح لنا بأن نقدم افتراضاً بأن الهدف المستتر لهذا الاتفاق هو بداية خريطة سياسية جديدة في المنطقة. فالخطر الأكبر الذي تراه المملكة السعودية يتجسد في إيران، والصراع هو صراع سني-شيعي. وفي لهب هذا الصراع الدموي، يصير كل شيء مباحاً ومتاحاً. أي ان المارشال المصري يلعب اليوم دور الوسيط عبر التنازل عن أرض تعمدت بالدماء، من أجل ان تبدأ صفحة جديدة من العلاقات العربية- الإسرائيلية، هدفها مواجهة الخطر الإيراني
لو لم تكن إسرائيل جزءاً من اللعبة، لصدقنا أن ولي ولي العهد السعودي يريد أن يتخذ لنفسه صورة الملك المؤسس الذي أسس مملكته ورسم حدودها بالسيف، لكن العنصر الإسرائيلي يشير إلى ان التعهد بالوفاء بالتزامات كامب ديفيد يعني بداية علاقة مباشرة مع إسرائيل، ويحمل في طياته احتمالات شتى.
واستطراداً، لكنه استطراد قد يكون جزءاً من المتن، ألا يحق لنا أن نتساءل عن علاقة هذا التحوّل بالجلسة التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية في الجولان، حيث أعلن نتنياهو أن الجولان سوف يبقى إسرائيلياً إلى الأبد؟ هل الصفقة جزء من «الأبد» الإسرائيلي في القدس والضفة والجولان، وهو «أبدٌ» يبدو أن النظام العربي الجديد قرر ابتلاعه في سياق دفاعه عن سلطته المتداعية.
أما ما قام به المارشال المصري فإنه دليل على قبول العسكريتاريا المصرية بإخراح مصر من الحلبة بشكل كامل، لأن النظام يبحث عن شرعيته عبر الاتكاء على خارج مشكوك بشرعيته هو الآخر، ويريد حل مشكلات سلطته عبر التحول إلى تابع، وهذا مؤشر ليس على فقدان الدور فقط بل على فقدان الوجود عبر تفاقم العجز عن ردع اثيوبيا أو التفاهم معها على عدم المس بحصة مصر من النيل.

طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى