حول لائحة مجلس النواب من واقع الفقه الدستوري حسما للجدل

 
كتب/ حمدى صبحى
ثار جدلا سياسيا بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب قبل تشكيله بعد اعلان المستشار مجدى العجاتى وزير الدولة لشؤون مجلس النواب إصدار لائحة مجلس النواب بقرار بقانون من رئيس الجمهورية
**وانقسم الشارع السياسي حياله قسمين الأول يرى أحقية الرئيس فى إصدار اللائحة باعتباره يملك السلطة التشريعية فى هذه المرحلة
** فيما رأى آخرون وهو ما نؤيده أن شروع الرئيس فى إصدارها فيه مخالفة دستورية وتداخل بين السلطات التى فصل بينها الدستور فى الأساس واعتداء مباشر على الدستور الذى ينص بشكل واضح فى المادة ١١٨ على : ” يضع مجلس النواب لائحته الداخلية لتنظيم العمل فيه, وكيفية ممارسته لاختصاصاته, والمحافظة علي النظام داخله, وتصدر بقانون ” وعليه فلا يجوز للسلطة التنفيذية والرئيس بالاخص التدخل فى عمل اختص به الدستور السلطة التشريعية لان هذا انتهاك لمبدأ الفصل بين السلطات
***وحيث أصبح مبدأ فصل السلطات ملازما للديمقراطية وصيانة الحرية وضمان مبدأ الشرعية
والذي من مقتضاه ان تتوزع السلطة داخل الدولة بين ثلاث سلطات أحدهما تتولى التشريع والثانية التنفيذ والثالثة الفصل في المنازعات على أن تستقل كل سلطة بمباشرة الوظيفة التي أسندها إليها الدستور وليس لأي من السلطات الثلاث أن تباشر عملا يدخل في ولاية السلطة الأخرى ما لم يوجد نص في الدستور يقضي بغير ذلك
وهذه السلطات الثلاث إذ ينشأها الدستور فإنه أيضاً هو الذي يحدد لكل منها اختصاصاتها ويبين الأطر العامة لولاية كل منها
وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا على هذه المعان في حكمها الصادر في القضية الدستورية رقم 37 لسنة 9 قضائية بجلسة 19/5/1990 بقولها “إن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه صفة السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها وحق لقواعده أن تستوى على القمة من البناء القانونى للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التى يتعين على الدولة التزامها فى تشريعها وفى قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية ودون أى تفرقة أو تمييز فى مجال الالتزام بها
ذلك أن هذه السلطات كلها سلطات مؤسسة أنشأها الدستور تستمد منه وجودها وكيانها وهو المرجع فى تحديد وظائفها ومن ثم تعتبر جميعها أمام الدستور على درجة سواء وتقف كل منها مع الأخرى على قدم المساواة قائمة بوظيفتها الدستورية متعاونة فيما بينها فى الحدود المقررة لذلك خاضعة لأحكام الدستور الذى له وحده الكلمة العليا وعند أحكامه تنزل السلطات العامة جميعا ويكون لزاما على كل سلطة عامة ايا كان شأنها وايا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها النزول عند قواعد الدستور ومبادئه والتزام حدوده وقيوده فإن هى خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور وخضع متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا التى اختصها دون غيرها بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها وحمايتها من الخروج عليها
وعليه فالمسألة هنا تتعلق باستقلالية البرلمان , والمشرع الدستورى والتقاليد السياسية ترعى استقلالية البرلمان فى مواجهة الحكومة سواء كان نظام الحكم برلمانيا أو رئاسيا وأن هذه الاستقلالية ركن جوهرى للمنظومة المؤسسية فى المجتمع الديمقراطى
فلا تضعوا البرلمان فى غير موضعه كتابع للحكومة وهو الند لها ولا تفرغوا مبدأ الفصل بين السلطات من مضمونه وترجحوا هيمنة السلطة التنفيذية على البرلمان لذا نحن نعيد التذكير بمبدأ فصل السلطات دون تهادن أو تهاون ونضع الفواصل والضوابط الدقيقة بين السلطات لنحافظ على الحدود الدستورية بين السلطات الثلاث ونحفظ لكل سلطة استقلالها التام مع ضبط حدودها ضبطا كاملا يحول دون تغول تخوم تلك السلطة
***الطبيعة الدستورية للائحة التي تمنع اصدارها بقرار بقانون:
ان اللائحة الداخلية للبرلمان تشترك مع الدستور في القيام بجانب كبير من وظيفته إذ تتولى التنظيم الداخلي لواحدة من أهم السلطات الثلاثة بل أهمها على الإطلاق الا وهي السلطة التشريعية فهي تتضمن القواعد المتعلقة بتشكيل واختصاصات الأجهزة الرئيسية له وكيفية أداء البرلمان وأجهزته للوظيفة التشريعية والرقابية المنوطة به والإجراءات والوسائل اللازمة للقيام بها كنظام توجيه الأسئلة وطرح موضوع عام للمناقشة وإبداء الرغبات وطلبات الإحاطة ونظام تقديم الاستجواب وموعد مناقشته وأصول وإجراءات طرح الثقة بالحكومة سواء كلها أو تحديد مسئولية عضو بعينه من أعضاءها وإجراءات التحقيقات البرلمانية…. الخ
فالموضوعات التي تتناولها اللائحة البرلمانية لا شك أنها ذات طبيعة دستورية وكان من المفترض أن تنظمها نصوص الوثيقة الدستورية ذاتها وبعض الدساتير المقارنة بالفعل تتضمن كثير من التفصيلات التي تحتويها لائحة البرلمان
كالمادة (44) من الدستور اللبناني المعدل سنة 1990 حيث تجرى على أن “في كل مرة يجدد المجلس انتخابه يجتمع برئاسة أكبر أعضائه سنا ويقوم العضوان الأصغر سنا بوظيفة أمين ويعمد إلى انتخاب الرئيس ونائب الرئيس لمدة ولاية المجلس كل منهما على حدة بالاقتراع السري وبالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين. وتبني النتيجة في دورة اقتراع ثالثة على الغالبية النسبية، وإذا تساوت الأصوات فالأكبر سناً يعد منتخباً.
” وفي كل مرة يجدد المجلس انتخابه، وعند افتتاح عقد تشرين الأول من كل عام، يعمد المجلس إلى انتخاب أمينين بالاقتراع السري وفقاً للغالبية المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة.
وعليه فالنظام الداخلي للمؤسسة التشريعية من حيث إنه ينظم سير مؤسسة دستورية ذات أهمية خاصة في النظام السياسي تكون له تأثيرات سياسية كبرى حتى إن بعض الفقهاء الدستوريين الكلاسيكيين اعتبروه بسبب ذلك “دستورا بشكل آخر او امتدادا له أو تفسيرا”، إذ أنه بطبيعته الدستورية يجاوز البعد التنظيمي ويفوقه فما ينتظم علاقات المجلس التشريعي بالحكومة لا يمكن أن يكون قرارات تنظيمية بالمعنى التقليدي وإنما تكون ذات طبيعة دستورية ومن ثم يمتنع على اي من اعضاء السلطة التنفيذية التدخل فيها
اضافة الى النص في معظم الدساتير على ضرورة أن تستقل البرلمانات بوضع لوائحها الداخلية باستقلال تام ترسيخا لمبدأ فصل السلطات ولعل الهدف من ذلك هو الحيلولة دون ان يتخذ النظام الداخلي للبرلمان ذريعة للتعدي على اختصاصاته من الحكومة أو عرقلة نشاطه فضلا عن رد الرئيس إلى الحدود الدستورية المرسومة له فالنظام الداخلي للبرلمان يبتغي تجسيد قيم السيادة الشعبية والحرية والمساواة وتعميق المشاركة السياسية ذلك أن البرلمانات هي قاعدة النظام الديمقراطي المعاصر فهو المؤسسة الأقرب ارتباطا بالجمهور وانفتاحا عليه حيث تدور مناقشاته على تنوعها في مناخ من الشفافية والعلنية وهو هيكل نيابي يعبر عن مشاعر وآراء المواطنين كما أنه من الناحية الأخرى آلية تشريعية تصنع القوانين التي تحكم الدولة بأسرها
مما يبين منه ان البرلمانات وهي بهذه الأهمية فإن القواعد التي تشكل النظام الداخلي لها وكيفية مباشرة أعضاؤها لوظائفهم وانعكاسات كل ذلك على السلطات الأخرى وحقوق المواطنين يكون لها من الأهمية القصوى بما يكون معه الحرص على أن تأتي هذه القواعد نموذجا لتوافقها مع الدستور وحرصها على المساواة وحرية التعبير والتعاون بين البرلمان وسائر سلطات الدولة
وعليه تاتي لائحته في مرتبة قانونية تلي الدستور لانها لها طبيعة دستورية خالصة فهي قواعد قانونية ذات طبيعة دستورية
وهي وإن كانت تصدر بقانون إلا أن السلطة التنفيذية لا تملك أي سلطات حيال القانون الصادر باللائحة البرلمانية وبصفة خاصة لا تملك سلطة الاعتراض عليها في مرحلة الإصدار لأن ذلك يتعارض مع استقلال السلطة التشريعية ومنحها الحرية في إطار القواعد الأعلى بطبيعة الحال لتنظيم أجهزتها وسير عملها.
وعليه فوضع اللائحة الداخلية لابد ان يكون من البرلمان نفسه وبمطلق حريته ودون تدخل من أي طرف آخر فالبرلمان له كامل الحرية في وضع لائحته كما أن له الحرية في تعديلها في أي وقت يراه وهذا يؤكد استقلال البرلمان وعدم تبعيته ومعنى ذلك أن البرلمان المصري لابد ان يستقل تماما بوضع لائحته الداخلية ولا يجوز لأي جهة اخرى إعدادها لأنها وإن كانت توصف بأنها “لوائح” إلا أنها لا تأخذ حكم اللوائح الإدارية فهي ليست لوائح إدارية لأنها لا تنظم امورا إدارية كما أنها لا تعد تشريعات لأنها وإن كانت تتضمن قواعد عامة مجردة إلا أن سنها وإصدارها لا يمر بالمراحل التي يمر بها التشريع فليس للسلطة التنفيذية أي دور في اقتراحها ولا في التصديق عليها ولا إصدارها فلا يمكن من ثم اعتبارها تشريعا ويصعب تناولها قضائيا سواء أمام القضاء الإداري أو القضاء العادي حتى يتسنى اتصال المحكمة الدستورية العليا بالدعوى المقامة طعنا على دستوريتها لأن القضاء الإداري والقضاء العادي لا يقبل كأصل عام الدعاوى المقامة طعنا على الأعمال البرلمانية حفاظا على استقلال البرلمان ومراعاة لمبدأ فصل السلطات
وعليخ فشروع الرئيس فى إصدارها مخالفة دستورية وتداخل بين السلطات التى فصل بينها الدستور فى الأساس فلابد من الانتظار لحين انعقاد مجلس النواب ويضع بنفسه مشروع قانون لائحته الداخلية
***وظني انه لايوجد فراغ والحل في المادة ٢٢٤ التي نصت على «كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور يبقى نافذاً ولا يجوز تعديلها ولا إلغاؤها إلا وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة فى الدستور» وهذا النص قاطع بأن المجلس فور الدعوة لانعقاده سيتم اختيار اكبر الأعضاء سنا لإجراء الانتخابات لانتخاب رئيس المجلس ووكيليه وفقاً لنص المادة ١١٧ ثم يسير اعماله وفقا للائحة القديمة إلى أن يتم إقرار التعديلات على اللائحة الجديدة.111

طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى