الشيطان يتسول بقلم / شريف فتحي رمضان

بنظرة خلف عالم المرئيات وجدت الشيطان يتسول على المقاهي ويتسكع في الطرقات والأزقة والميادين، يبحث عن عمل أو وظيفة متواضعة ولو بأجر الحد الأدنى ، وبدأ يعرض مطالبه أما عشيرته التي خرجت عن بكرة أبيها بمطالب فئوية ورؤى ضيقة محدودة؛ بعد أن ضاق بهم العيش في ظل بني الإنسان الذي لم يتركوا شيئا في هذا الزمن إلا فعلوه، وأوشك على الرحيل جامعا حقائبه، حيث شاء به القدر أن يوجد في مجتمع كثرت فيه الفتن والإضطرابات والأحزاب والتحزبات والجماعات والإئتلافات والفصائل التي لا نفع فيها ولا فائدة، وفضائيات تملأ السمع والبصر تدعو للرذيلة ونشر الفاحشة، وأصبح الإعلام فيها يشكل النسبة الأكبر في أسباب تدني المستوى الفكري والثقافي، بل أقول لتخريب الأخلاق في المجتمع، وهذه المادة الإعلامية المقدمة ساهمت بدور كبير في تشكيل فكر غريب متحرر من كل القيود التربوية والأخلاقية، فتلك أفلام تعتمد اعتمادا كليا على المحتوى الجنسي إلى جانب الإباحية اللفظية، فما من موضوع فيلم إلا ويحتوي على أكثر من مشهد جنسي أو إشارة بطريقة أو بأخرى سواء بألفاظ أو إيماءات أو صور عارية، أو بكيفية القيام بجريمة كاملة إلى حد ما كما في أفلام العنف، أو الإبداع في كيفية الخيانة الزوجية دون معرفة الطرف الآخر، وكذلك الأغاني المسفة والتافهة، والإعلانات الغريبة والمثيرة للأعصاب، وكأن سوء الأدب والأخلاق وركيك القول رخصة شرعية للعرض على الفضائيات اللعينة.
لقد أصبح شبابنا فريسة سهلة للإجرام والإنحراف في ظل ظروف إقتصادية صعبة تزداد يوما بعد يوم، فقد غابت الرقابة رقابة الدولة ومؤسساتها ورقابة اﻷسرة ورقابة الضمير والكل عجز عن القيام بدوره، وضاعت القيم، وبتقليد أعمى أصبحنا مجرد مرايا تعكس ما تراه دون وعي أو حتي مجرد تفكير فيما تقلده أو إدراك، فأصبحنا نعيش عصر الإفلاس الأخلاقي والفكري، ولا يخفى على الجميع هؤلاء الذين يتنقلون من قناة إلى قناة يبثون سمومهم يراءون بما لا يفعلون، يخربون صباح مساء يحركون نار الفتنة النائمة، فتلمع وجوه وتنطفىء أخرى، فهذا يمتلك الحقيقة المثلى والفريدة، وهذا يريد أن يضع اللمسات السحرية في دستور الأمة، وأيدى متآمرة تعبث من الداخل في جسد مصر، وأيدي خارجية تمول بالدعاية والأموال، فأخذ أمن مصر الغاصبون، ولوث شرفها المعتدون، وتغير ثوب العفاف على أيديهم بأرض تباع وتشترى بأبخس الأثمان، ورثوا أموالها ظلما وعدوانا، فتلك مشروعات تافهة ينفق عليها المليارات، وأخرى ترفع من قدر الأمة لا ينظر إليها أحد، بل تحارب وتقتل حية هي وأصحابها .
عبث وجدل، أصبح الكلام هواية .. ألفاظ تبارز ألفاظ، والنتيجة .. هواء .. ذوق تخلف، وإحساس تبلد، كذب وافتراء، وصدق توارى خلف الحجاب، أصبح النفاق فضيلة، والإخلاص والوفاء عملة زائفة.. وكأن المناصب في هذا البلد تشترط على من يشغلها أن يقدم كفاءة في كيف ينغص على الضعفاء معيشتهم، ويزيد من معاناتهم، ويقضي على أحلام البسطاء فيها؛ حتى ينعمون هم وحدهم بخيرها وبمرتباتهم التي فاقت حد الخيال، ويثبت مهارة فائقة في اقتلاع جذور الإنتماء في حب هذا البلد، وجودة في تدمير الطموح وقتل الحلم وبث روح التخاذل والإنهزامية داخل النفوس، ونشر ثقافة الفوضى والتسلق على أكتاف الآخرين وسرقة أفكارهم، وتربية النشء على تعلم مناهج قمة في الغباء، لا تقدم فكرا ولا إبداعا ولا ترسم شخصية سوية متعلمة مثقفة، وإنما تبني قصورا من رمال حتى إذا واجه شبابنا مجال العمل تهدمت تلك القصور، واصطدم الجميع بالواقع المرسوم سلفا من قبل حكومات فاشلة، وتسلل إلى نفوسهم الإحباط ثم اليأس شيئا فشيئا، وبالتالي تتحول الشخصية المصرية التي من المفترض أن تبني إلى قوة عظيمة في الهدم، فيظل المجتمع في سقوط دائم والعالم من حوله في صعود دائم، وهنا يتضاعف الفارق مع كل خطوة فيزداد التخلف تخلفا والتقدم تقدما .. لك الله يا مصر.
أين الضمير الأخلاقي في التعامل مع مقدرات هذا الوطن؟ أم أنكم يا أصحاب السياسات ملكتم ملك فرعون وخزائن قارون، أم أن كثرتكم أعجبتكم! فوالله ما امتدح الله كثرة ولكن ذمهم ، والآيات القرآنية تشهد على ذلك: “وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين” سورة يوسف (103) ” يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون” النحل (83) “بل أكثرهم لا يعقلون” العنكبوت (63) “ولكن أكثرهم يجهلون” الأنعام (111) “ولكن أكثرهم لا يعلمون” الأعراف (131) “ولكن أكثرهم لا يشكرون” يونس (60).. وغير ذلك من الآيات العديدة والتي تؤكد تلك الحقيقة .. وبالتالي فالقليل يؤمن، والقليل يعلم، والقليل يشكر، والقليل يعقل، والقليل يفهم.. وأصبحنا نعيش زمنا عجيبا على أرض مصرنا الحبيبة، الشيطان فيها ليس له عمل يؤديه، فقد سلبه بنو الإنسان جميع حيله وألاعيبه ووظائفه ، فلم يجد من أمره حلا إلا قارعة الطريق على قائمة العاطلين يتسول.

طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى