حمدي الشامي يكتب: رغم أن هذا هو أول طريق إلى الإرهاب لا الفقر كما يدعون

 

.
قد يظن البعض أن الإرهاب يقتل أكثر مما نقتل نحن العُزل, بل نظن نحن أننا عُزل, وهذا غير حقيقي, وإلا لماذا الفتنة أشد من القتل !, والفتنة لا تقتصر على الإيقاع بين طرفين وصولاً للإحتدام والتطاول والقتل والثأر وإستمرار الدائرة المُفرغة من إسالة الدماء, فهذا هو التعريف البسيط للفتنة, أما التعريف المُعقد والذي إذا إنتبهنا إليه لوجدنا أنفُسنا نُشارك فيما هو أشد من القتل, الفتنة. والفتنة يلزمها على الأقل طرفان, ولا يوجد مُجتمع خال من الأطراف والتي تُقسم علمياً إلى شرائح تختلف حسب الطريقة المُستخدمة من شرائح غنية وشرائح فقيرة, شرائح سلطوية وشرائح غير سلطوية, شرائح مُثقفة وشرائح عادية, شرائح إجرامية وشرائح وطنية, شرائح أنانية وشرائح تُضحي, شرائح عاملة وشرائح غير عاملة, شرائح ذكورية وشرائح أُنثوية … الخ. هذا هو لُب عَمل الجيل الرابع من الحروب (الفتنة), ويعكس ذلك أهم رمز أميريكي في مصر (سعد الدين إبراهيم), وهو دكتور مُتخصص في علم الإجتماع الدولي, وحتى إن كان الربط بديهي ما بين الفتنه وعلم الإجتماع لم نجد قلم واحد شريف يخُط بضمير كيفية سرد هذا الربط, والذي يسهُل إستنباطه من طبيعة عمل تلميذته وخليفته (داليا زيادة), والذي نستطيع تلخيصة في كلمتان إثنتان (تهيئة الفئوية), أي تغيير شكل المُجتمع لمُجتمع فئوي تطرف فيه كل فئة عن المصلحة العامة لباق المُجتمع أو الفئات بعد تفكيك أواصله.. فالفتنة أساسها التنفير من الآخر والتطرف عن سير الجمع في شكل مُفرد وإن كانت هيأته جماعية, ورغم أن البداية كان أساسها نظام حُكم سابق عَمل وبقوة على تمييز المُجتمع سلطوياً ومادياً, إلا أن الحض على إستغلال هذا التمييز دون العمل على إصلاحة كان نواة 25 يناير 2011 وليس خالد سعيد أو تفجير كنيسة القديسين كما يظُن البعض, (خالد سعيد وتفجير الكنيسة كانا أحداث مُسببة للبدء وليس سبب البدء).
كانت فئوية السلطوية الخُلاصة من مؤتمرات وندوات داليا زيادة تلميذة سعد الدين إبراهيم, حتى أنه قبيل أحداث المحلة في 2008 والتي تطابق نصاً وحرفياً مع 25 يناير, كانت داليا زيادة تُسافر لكافة الدول التي وقع بها على حد قول البعض ثورات, بل ودول كان مُخطط لها أن يُصيبها سُعار المؤامرة.. والإشكالية في ذلك ليس عقابها من عدمه, ولكن الإشكالية هي عدم الإفصاح إلى الآن عن تفاصيل ذكرت وأذكُر بعضها في مقالي هُنا.. تلك الندوات التي كانت ومازالت (آخرها تدريبات نواب البرلمان) تحُض على تغيير سلوك المُجتمع حسب فئاته لكي يتفتت مع الوقت مع التأكيد على أن تعمل كل تلك الفئات ضد مصلحة الفئة الوحيدة التي يعود عليها كُل الضرر, وهي فئة الشعب البسيط (حرفيين, صنايعية, عُمال اليومية), أو كل من يعتمد على رزقه يوم بعد يوم.. هؤلاء هُم من يتضررون عندما تجد نداء بالاضراب أو تعطيل العمل من فئة المُحاسبين أو الأطباء أو الصحفيين أو المحامين أو عُمال المصانع القومية.. والحُجج كثيرة تصل لحد التعجيز أحياناً, لأن الضرر في النهاية لا يعود عليهم هُم, بل على المصريين الذين أصفهم بالغلابة (ولا أخجل حين أقول أني منهم).. ولكن للأسف جميعنا نُشارك في تلك الفتنة دون قيد أو شرط, حتى أننا وإن قبلنا أن تكون الثورات ثورات فعلاً, لا نجدها تعمل بآلية الثورات بإعادة الحقوق ولو حتى لحظياً !! , فعند تأجيج الفتنة فيما بين مجموعة والدولة, نجد مصلحتين إثنتين تتحققا, (مصلحة تلك الفئة التي تحولت إلى خِنجر في ظهر الدولة, ومصلحة تشجيع الفئات المُشابهة في خوض نفس التجربة), فمثلاً بعد مبارك, كانت مُظاهرات المُحاسبين لرفع الرواتب من 3000 جنية إلى أعلى !! تلاها مُظاهرات المُعلمين لرفع الرواتب للحد الأدني !! تلاها ما تلاها من عُمال مصانع ومؤسسات قومية (وغالباً كانت تتحقق كل المطالب), حتى وصلنا إلى مرحلة فئة التستر على مُجرمان حرضا على القتل والحرق في مقر فئة الذين يدعون أنفسهُم مُثقفين !
هي حرب اللاعُنف كما يدعونها, وكما أدعوها هي حرب الفتنة, ونحن جنودهم فيها وإن بدونا ظهيراً شعبياً لجيشنا وشرطتنا فنحن حقيقةً ضدهم, فلا يُعقل بأي حال أن نرى كُل هذا ولا نتحرك بشكوى أو بلاغ أو حتى إنتفاضة داخلية لقول لا, ولرفض كُل ما ينمو داخل مصر من آثام تؤثر سلباً على مصر وشعبها (أي نحن), بل لا تؤثر سلباً فقط وإنما سلباً دموياً أراه أشد حُمرة من دماء إخواننا وأخواتنا وآباءنا في العراق وسوريا وليبيا واليمن, وما خفي كان أعظم. والإعتماد على الشعب في شكل التصبير أضحى أقرب إلى التنفير, لأن التقسيم إلى الفئويات مازال مُستمر, ما يعني أن الفتنة قائمة, وأن التطويع بالتحييد لن يُجدي, لأن التطويع نفسه في ضم العناصر المُحرضة إلى فئات كانت ومازالت قائمة تسببت يوماً فيما نحن فيه, يُنفر البعض والأكثرية ولا يُقرب, تلك العناصر المُحرضة التي إنجذبت إلى من تأثروا بعمل سعد الدين إبراهيم وداليا زيادة ومن تدربوا في الخارج, وتأقلمت على التفتيت وإثارة الفتنة بُحجة الحقوق, تلك العناصر الكاسبة لا الخاسرة, هؤلاء مِمَن تم تطويعهم وضمهم لفئات تدعوا لمصالح الشعب هُم أقرب إلى أشخاص وفئات تتجاهل مصالح الشعب, بل غالباً تعمل على تدميرها للعودة إلى الوراء البعيد وصولاً إلى الوراء القريب. الذي يحرق فيه المظلوم نفسه, ويشنق فيه العاطل نفسه, ويقتُل ويسرق فيه المُسالم والشريف رغبةً منه في الحياة, ويفتح فيه الموظف الدُرج, ومن لا يفعل يكون مُشارك بالصمت أو متوجه رأساً إلى المصلحة, فيخون حتى يُطوع, أو يخون حتى يكسب سواء من جماعة ظلامية أو كيان مجهول الهوية, لأن الحياة الشريفة لا تأخذ فرصتها كما تأخذ فرصتها الحياة الفئوية التي تحُض على التأكيد على المصالح الشخصية على حساب فض المصلحة العامة للمصريين.. لكن لا يوجد وقت, ففي الدولة أهم كثيراً من ذلك, محاربة الإرهاب أهم (رغم أن هذا هو أول طريق إلى الإرهاب لا الفقر كما يدعون)..

طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى