متابعة : أحمد عصام
« شجرة متعبة »
كانت ترسمُ شجرةً مستلقيةً ، أصلُها ليس بثابتٍ و فَرعُها للأرضِ لا للسماء
لا خبيثةٌ ولا طيبةٌ ؛ إنها فقط شجرةٌ متعبة .
جلست تبتكرُ من الأسى ملامحَها و تختارُ ألوانَها بحزنٍ شديدٍ .
عَمِلَتْ بِدِقَّة وفي هدوءٍ وَاجِمٍ ، رَغَمَ الدَّمْعُ وهو ينْفَضُّ من مُقْلَتيها يكادُ يُفسد المنظومةَ اللونيةَ ، لولا أن تفادتْ ذاكَ بأنْ ألقتْ بِه تحت أقدامِها .
وأخيراً استكانت الشجرةُ فوق تربتِها الورقيةِ بآخرِ ضَربةٍ من الفرشاةِ ؛ التى ترفعها البنتُ لتستصلحَ بها الصَحراءَ البيضاءَ فوق ورقةِ الرسمِ .
وعلي حالِها بقيتْ هكذا لغيرِ قليلٍ ؛ تنقحُ الوهميةَ و تمنطقُ اللاشئَ حتي أتمّتْ ما تريدُ و انتهتْ من اللوحةِ ، لتقومَ من مقعدِها فتولّي لها ظهَرها وتنزاحُ على مهلٍ إلي مَهْجَعِهَا، تاركةً خلفها رُوْحَهَا و هي تجاهدُ لتنامَ على فرعِ الشجرةِ ، و تشاطرُها الإستلقاءَ و كذا الشرودَ بنقطةٍ ما في سقفِ اللوحةِ .
غالبَها السكونُ فقاومته لبُرْهَةٍ بينما النعاسُ معقودٌ بناظرِيها ، لا تعاندهُ لعِلَّةٍ ما بل فقط لتحسَ أنَّها لمْ تزلْ قادرةً على أن تقاومَ شيئاً ما حتي و إنْ كانَ النوم ، قبل أنْ تحلَ بها السكينةُ و يغشاها نومٌ من فوقِه ثبات .
نائمةٌ هي ، و الليلُ من حولِها يسكبُ بتؤدةٍ كلَ ما تبقي في قارورته السوداءِ من عتمةٍ ، حتي إذا أتي الصبحُ و فُتحَ للنور بابٌ ليدلفَ إلي الكونِ ، متولياً طلاءَ جدرانِه بالألوانِ كي يعيدَ له معالمَ الحياةِ ثانيةً ، قامتْ تبحثُ عن غَدِها المأمولِ رَغَمَ أنَّها لا تعتقدُ فيِه أكثرَ من أمسٍ الذي ولّى
تحولت بعينِيها تجاهَ اللوحةِ تَتَحَسَّسُها ملياً ، و كأنها لمّا تراها سيرتدُ إليها ما يُكْمِلُ نَقْصَها ، فرأتْ فيما بين ذلك عصفورةً فاقع لونها تسرُ الناظرين ، يبدو أنَّها تسللتْ من النافذةِ – مع الضوءِ – إلى غرفتِها ، العصفورةُ تلك تنقرُ الأخضرَ بلوحتِها المزروعةِ في حَامِلِها ، ثم تتقافزُ بإصرارٍ لتنام على العش المرسوم .
للأديب أحمد ابو دياب .