حسن معاملة الأطفال في الإسلام

كتبت / نيفين عباس

 

أحزن كثيراً حين أشاهد عنف ضد طفل أو طفلة فما أقرب للقلب من دموع الأطفال، دائماً أردد في نفسي لماذا لا نحسن معاملة الطفل؟ لماذا يدفع الأطفال أخطاء الكبار؟ إذا تمسك الوالدان بالمنهج النبوي في التعامل مع الأطفال استطاعا أن ينفذا إلى جميع مداخل أطفالهم النفسية والفكرية فينيروا لهم الطريق، ويقدموا لهم الحلول الناجحة في بناء شخصيتهم وتربيتهم وتكوينهم
التربية السليمة ليست في الترويع والخوف بل الرحمة والمحبة، للطفل حقوق في الإسلام يجب مراعاتها
قال صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْــرَةِ فَأَبَــوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ..)(رواه البخاري).
إمتازت شريعة الإسلام بأنها تحقق العدل وتراعي مصالح الناس، والأطفال وجيل الغد وامتداد الأمة في المستقبل، ولذلك دعت إلى إحسان تربيتهم، ووجهت إلى جميع السبل الكفيلة بذلك
عن عائشة رضي الله عنها (أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ وَكَانَتْ تَأْتِينِى صَوَاحِبِى فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَتْ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَرِّبُهُنَّ إِلَىَّ)(رواه مسلم).
الأطفال دومًا يحبون من يتبسط معهم، ويعايشهم وكأنه واحد منهم، وينفرون من الغليظ العبوس الغاضب، ويتحفزون للجاد الوقور، وقد علم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم طبائع ذلك العمر، وكان يتعامل معه بما يحبونه، ويحاول أن يبث من خلال بساطته معهم ومزاحه وتلطفه بهم معانٍ مهمة في تقويم السلوك وتكوين الشخصية الناجحة.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العشاء؛ فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذًا رفيقًا ويضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا، حتى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه.

وكان يداعب رسول الله الأطفال حتى في طرقاته، يقول يعلى بن مُرَّة: خرجت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على طعام، فإذا الحسين بن علي يلعب في الطريق، فأسرع النبي أمام القوم، ثم بسط يديه ليأخذه فطفق الغلام يفر هنا ويفر هنا، ورسول الله يلاحقه ويضاحكه، بل كان يأخذ أسامة بن زيد والحسن بن علي فيقعدهما على فخذه كل على ناحية ثم يضمهما ويقول: «اللهم ارحمهما فإني أرحمهما».
وأيضاً الابتعاد عن كثرة اللوم والعتاب: عن أنس قال: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ)(رواه البخاري).
ومن الأساليب الهامة أيضاً المؤثرة في عقل الطفل
غرس محبة الله تعالى في قلوبهم: فيجب على كل والد ومربي أن يغرس حب الله وخشيته، ورجاءه، في قلوب أطفاله، وأن ييسر لهم أسباب ذلك لكي ينشئوا النشأة السليمة التي تجعلهم صالحين في أنفسهم ولمجتمعهم وأمتهم.
وأيضاً شد الطفل إلى القدوة الحسنة وهي شخص الرسول صلى الله عليه وسلم : فغرس محبته في قلوب الأطفال وتوجيههم إلى الاقتداء به، واتباع هديه، واقتفاء سنته يربيهم على بناء عقدي قوي سليم، ويجعلهم يحبونه ويجلونه، ويتمسكون بهديه، ويعملون بما أمر به، وينتهون عما نهى عنه وزجر.
وأيضاً رواية القصص والحكايات: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحكي قصصاً لأصحابه الحاضرين من الكبار والصغار؛ ليتعظوا بها، وأفضل ما يقصه الوالدان على أولادهما القصص القرآني والنبوي، كقصص الأنبياء والمرسلين، وقصص
الصحابة والتابعين، وغير ذلك مما ورد في السنة.
أيضاً أسلوب المخاطبة المباشرة للطفل: فهذا يولد عنده تزكية العقل، وحب الوصول إلى الحقائق، مما يجعله أشد قبولاً لما يسمعه، وأكثر استعدادا للتلقي.
وأيضاً خطاب الطفل على قدر عقله: فعن أنس بن مالك قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ ـ كَانَ فَطِيمًا ـ قَالَ: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَآهُ قَالَ (أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ). قَالَ فَكَانَ يَلْعَبُ بِهِ (واللفظ لمسلم).
أيضاً الحوار الهادئ مع الطفل: كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم مع الفتى الذي طلب منه أن يأذن له في الزنا، فما عنفه ولا كهره،بل خاطبه خطاب المربي لولده، حتى شعر هذا الفتى بخطئه، فوَضَعَ النبي يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: (اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ)، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ) (رواه أحمد).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(آل عمران: 31). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
ومن وصايا الرسول صلي الله عليه وسلم في تربية الأطفال
إن الأولاد نعمة من الله سبحانه وتعالى يهبها لمن يشاء ويمسكها عمن يشاء ولما كانت هذه النعمة تسر الوالدين ذكرها فى القرآن الكريم كبشرى من الملائكة لرسل الله …
قال تعالى: (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) (مريم 7) – وقال عن امرأة ابراهيم الخليل (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب) (هود :71) ولهذا ذم الله تعالى من تبرم من الأنثى واستثقلها لأنه تعالى هو الذي وهبها كما وهب الذكر والحياة لا تستمر إلا بالذكر والأنثى معا فقال تعالى: (ألا ساء ما يحكمون) (النحل: 59).
والنبى صلى الله عليه وسلم يحنك المولود بالتمر ويدعو له ويبرك عليه والتحنيك هو مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل ويقوى عليه والمقصود من التحنيك أن يطمئن الطفل ويجعله آمنا على استمرار غذائه والعناية به وبخاصة تحنيكه بالتمر الذي ترتفع فيه نسبة الحلاوة التي يتلذذ بها الطفل وفيه كذلك تمرين على استعمال وسيلة غذائه الجديدة وهي المص بالفم ليألفها.
* حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْر حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْر رَضِي اللَّهم عَنْها أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ قَالَتْ فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ قُبَاءً فَوَلَدْتُ بِقُبَاء ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَة فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْء دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُود وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا لِأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلَا يُولَدُ لَكُمْ *رواه الشيخين*
ويرشد النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأبوين إلى تحصينه بالذكر من الآفات وشكر الله تعالى على موهبته.
لا شك أن الدعاء مجلبة لكل خير وفيه شكر الرحمن الذي يزيد من شكره قال تعالى:
(لئن شكرتم لأزيدنكم) (إبراهيم: 7).
ويقسم صلى الله عليه وسلم للمولود ميراثه بمجرد ولادته
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّد حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَال حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرِثُ الصَّبِيُّ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا قَالَ وَاسْتِهْلَالُهُ أَنْ يَبْكِيَ وَيَصِيحَ أَوْ يَعْطِسَ *رواة بن ماجة وصححه الألباني *
ويأمر بإخراج الزكاة عنه بمجرد الولادة أيضا
وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِع حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْك أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ عَنْ نَافِع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْس مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرّ أَوْ عَبْد أَوْ رَجُل أَوِ امْرَأَة صَغِير أَوْ كَبِير صَاعًا مِنْ تَمْر أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِير * رواة البخاري ومسلم وغيرهم .. *
ويرحم صلى الله عليه وسلم طفولته ولو كان ولد زنا
من رحمة النبي بالطفل وحرصه على أن يشب راضعا من ثدي أمه أنه لما جاءته المرأة الغامدية التي زنت ردها حتى تلد فلما وضعت ردها حتى ترضع طفلها ثم جاءت بالطفل بيده كسرة خبز دليل على فطامه فأقام صلى الله عليه وسلم عليها الحد (الحديث رواه مسلم) والناظر في هذا الحديث يرى أمورا عجيبة:
– لم يأمرها النبي أن تسقط هذا الحمل من الزنا بل على العكس أمرها أن تذهب حتى تلد.
– فلما ولدت أمرها أن تذهب حتى تفطمه فأرضعته ثم فطمته وقد أكل الخبز.
– أن النبى دفع بالصبي إلى أحد المسلمين ليقوم على رعايته وتربيته.
تلك رحمة نبى الرحمة على ولد الزنا من الضياع فما ذنبه أن يتحمل آثار جريمة غيره؟!!
ويحتفل بالأطفال في صغرهم فيوصي بالعقيقة عنهم
وللعقيقة فوائد كثيرة كما ذكر العلماء منهم ابن القيم فهي قربان لله تعالى وفيها الكرم والتغلب على الشح وفيها إطعام الطعام وهو من القربات وهي تفك ارتهان المولود عن عدم الشفاعة لوالديه أو شفاعة والديه له ومنها أنها ترسيخ للسنن الشرعية ومحاربة خرافات الجاهلية وفيها إشاعة نسب المولود وغيره.
* أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ زُرَيْع عَنْ سَعِيد أَنْبَأَنَا قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُب عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ غُلَام رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى. *رواه النسائي والترمذي وصححه الألباني *
* حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ الْخَلَّالُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْج أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ عَنْ سِبَاعِ ابْنِ ثَابِت أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ سِبَاع أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ كُرْز أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنِ الْأُنْثَى وَاحِدَةٌ وَلَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إِنَاثًا * رواه الترمذي وصححه الألباني*ِ
طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى