في الشتاء يذهب مزاجي بقلم إرميا قيصر

في الشتاء يذهب مزاجي بعيدا تاخذه رياح السعادة الي عنان السماء وتسكنه جنات فسيحة من الراحة والهدوء
مثلما ينتظر المحب قدوم حبيبه انتظر انا قدوم الشتاء الذي يردني الي الحياة ويسحبني ليله الطويل الي دروب لم ازرها ولم اعرف لماذا ذهبت اليها كل ما ادريه هو انني اتمشي في ليلي الساهر وحيدا سعيد اللب
ودون ان اعي كيف قادتني قدماي الي شارع مظلم يصلني ضوء خافت ياتي من نهايته فذهبت اتتبع ذلك الضوء فارتفع في اذني صوت موسيقي خافتة وصوت قرقعة احجار النرد وتبادل كؤوس واصوات ضحك وصخب يلازم كل الحانات فعزمت ان اخذ المجاذفة وادخل هذه الحانة القديمةال باقية من الزمن الجميل

حيث وطات عيني ارض الحانة تعثرت قدماي ف اعمار رجال مسنون ملقية عي ارض الزمن وموسيقي تشم فيها رائحة الزمان الغابر وتتلالا في فضاء المكان القاني اجساد بضة تتمايل ذاهبة اتية بين الاركان ومرتادي الحانة
احساسي بالخوف والخجل جعلني اجلس في ركن قصي وطلبت في قلبي الا يراني احد النوادل لانني طيلة حياتي ما شربت الخمر قط
ولكن ما كل المطالب بالتمني لانه بغتتا اتتني فتاة خمرية الوجه مرسومة الملامح نافرة الصدر يرتسم وجهها بالوان دقيقة دليل علي صاحبة ذوق رفيع
جلست امامي وعلي وجهها شبح ابتسامة مصطنعة جاهدت كثيرا كي ترسمها علي ثغرها وتلفظت كالواثقة من نفسها ببعض كلمات الترحيب التي تعودت تكرارها كي تشعرني انني اعرفها منذ امد بعيد ثم قالت
لقد اخترتك بين كل هؤلاء المساطيل
لماذا
قيمة الرجل هي قدرته علي اقناع المراة انه شخص واثق في ذاته لكني رايت فيك خائف مرتعد ويصفتي امراة مختلفة فاخترتك لاني اهوي الاختلاف
شعرت لاول وهلة انها تختص بصفة تستحق التامل تترك فيك اثرا قبل ان تذوب ف النسيان
فتتابعت كفتاة ليل ماهرة في استدراج قدمي للولوج في الحديث معها الي ان انزلقت قدماي دون ادري الي لجج الافكار الي ان تجسدت فوق لساني فكرة اردت ان اقولها لذاك الفتاة وهي ما الذ رمي بك الي هذا المكان البذيء وهذا العمل الرخيص وهذه الحياة البغيضة
فانطلقت من حنجرتها ضحكة ممزوجة بصرخة خرافية جعلتني ارسم علي وجهي سيمات الاستنكار والاستغراب
ثم اردفت قائلة ف تؤدة كمن يوزن الكلمات علي لحن عميق وهي تداعب كاسها دون ان تنظر الي وقالت كم من مرة جاء رجل يلقي الي محاضرة عن الشرف والعفة وهو يترجل بين الحانات ويفيض جوفه وفاه برائحة الخمر
فعلقت في امتعاض: انا لا اشرب الخمر
ران صمت غريب الي ان اردفت هي في هدوء
: ما فائدة عذرية الجسد ان كان الروح عاهرا
فقلت لا استطيع الانتباه في الحديث نظرا لارتفاع صوت الرواد وتداخل اصوات قرقعة النرد
: قالت هل تريد اكمال الحديث في منزلك
قولت كلا بل نذهب الي النيل
فاشارت بالموافقة ثم ذهبت كي تجمع اغراضها وعادت وعلي وجهها ابتسامة فامسكتني من ذراعي ثم ترجلت بي خارج الحانة واتجهنا الي شاطئ النيل حيث الظلام والسكون ولا صوت سوي صوت الامواج الهادئة
تجاورنا ف الجلوس واعطينا ظهرنا للشارع والناس والمارة
فبادرت بالحذيث وقولت
هل نعود الي ما انتهينا ف البار ام تريدين تغير مجري الحديث
كان ثمة نسمات خفيفة باردة تتراقص امام اعيننا ف عمل مفعول النبيذ ف راسها ف بدات هي تتمايل في طرب ثم نظرت الي في هدوء وقالت
: لنكمل ثم اردفت قائلة
: انظر الي النيل وقل هل القذارة التي تشوبه شئ من صنعه ام من صنع الشعب
فتسائلت بنظرة من عيني فاردفت وعلي وجهها ابتسامة ود
: انا مثل هذا النيل تلقيت القاذورات من الخارج لكنني ذو اصل نبيل
فقلت في توتر ما دخل الفلسفة الان
قالت : كثيرا ماقراتها عن عشق
تسالت في امتعاض اتمزحين؟
فتسالت في استنكار : لماذا ؟
قولت من اين بالفلسفة بفتاة ليل مثلك
فطاطات راسها خجلا فقولت معتذرا
اعذري وقاحتي
: لا عليك انت لم تقل سوي الحقيقة ولكن كي اريح راسك وطالما اني خرجت خارج البار ساقص عليك قصتي ان اردت
اريد بكل سرور
: لماذا بكل سرور ؟
لعله سحر المغامرة والطواف بمملكة جديدة مدفوع بحب الاستطلاع والرغبات المكبوتة
فقالت ف فرح غريب: لماذا ايضا ؟
طالما حارني ذاك السؤال الذي رميت به اليك
ما هو السبب الذي القي بفتاة جميلة مثلك في هذا الطريق المنكوب
قالت : اذا ساقص عليك قصتي منذ البداية ولكن اعطني سيجارة اذا سمحت
اشعلت لها السيجارة فنفثت دخانها ف الهواء مصحوبة بزفوة تعني الكثير
: كان ابي يعمل معلما في مدرسة قريبة من منزلنا كان رجل منفتحا ذو ثقافة علي غرار امي
بعد حرب ٧٣ ضيق السادات الخناق علي الشعب فكفر الكثير بالوطن والوطنية فكان ابي ضمن المسافرين للعمل في دول الخليج للبحث عن عمل يعيننا علي استمرار الحياة
مرت عدة اعوام فعاد ابي وقد تبدل حاله اصبح فظا غليظا تزين هامته عللامة صلاة ويترتد في اغلب الاحيان جلبابا قصيرا
لقد لفحته رياح وهابية اطارت عقله وعقول الذين عملوا في دول الخليج وتصحر عقله ونضبت انهار الثقافة في راسه
تغير والدي كليا وان الافكار السلفية وضعت علي وجهه قناعا قبيحا من صنعها لا من صنع والدي
ثم توقفت قليلا كي تنفث ما تبقي من السيجارة ثم اردفت
اخذ ابي في تضيق الخناق علي امي التي كانت امراة جامعية ذو ثقافة وقدر رفيع من المعرفة شديدة التمسك بالحرية وعوالم الموضة والازياء
كانت امراة متحررة علي خلق وجمال لا تخفي اعجابها بنفسها وبثدياها النافران وبقدها الممشوق وقواماها الانثوي المرسوم
فعاد ابي واصبح لا يلد عليه كل ذلك وبمرور الوقت لم تسطع امي الحياة في ذلك الجو المتزمت المكبوت
فقاطعتها متسائلا
كيف كان حال والدك تجاه امك قبل سفره الي الخليج ؟
قالت : كان شديد الاعجاب بعلمها وجمالها سويا
فاكملت وشلال الكلمات يتدفق من فهما
: اصبحا كثيري الشجار لا يمر يوم لا ويعلو صوتهما وذات صباح استقيظنا انا واخي علي نداء والدي لامي التي لا تجيب
لقد تركت امي المنزل ورحلت واصبحت تصلنا اخبارها كقطرات الماء
فسمعنا ذات يوم انها تزوجت من قريب لها
فهاج ابي وماج وفرض الحصار عليا وانا لم تطا قدمي سن المراهقة بعد
خاف ان احذو حذو امي التي ربت داخله عقده من جميع النساء ورسمت بداخله صورة لكل الناس وكانهم خائنات غادرات
كثيرا ما نمت باكية لتفرقة ابي ف العاملة بيني وبين اخي فكان يترك له الزمام علي اخره يتصرف كيفما يشاء وانا يحيطني بسياج من الشك والريبة والشروط والفروض
وبمرور الاعوام اصبح يعاملني كعبدة لا كامراءة لها حقوق وشخصية واصبح شديد التزمت قاسي الطبع
ضاقت بي الحياة في هذا البيت ولان الممنوع مرغوب تركت البيت وهربت
فقولت في همس كالمخاطب لنفسي
حقا في النهاية كل شئ يعود الي السياسة
قالت: انا اكره السياسة والسياسيين
وانا ايضا لكن للاسف هم من يحركون العالم فقالت في اعتراض : كلا بل الجنس والمال ومحبة الذات هم من يحركون العالم
فسالتها الم تخافي من العواقب
فقالت في استهانة ..طظ في العواقب حيث ان الحياة لا تحترم الا من يستهين بها
الم تخشي الحياة وانت امراة وحيدة ؟
قالت في هزر : نحن مجتمع يحترم المراة العارية
فابستمت وندت عني ضحكة خفيفة
فتسالت ماذا دهاك لماذا تضحك هكذا ؟ ثم اكملت
: لا يعرف مجتمعنا مثل فتاة مثلي عاشرت كثير الرجال
ثم اردفت بعد وهلة صمت
: نحن مجتمع غريب الاطوار نفرض علي المراة العري ونتباهي بالتدين وما ان تمر امامنا فتاة حتي نتفحصها من خصلة شعرها الي اخمص قدمها
منذ القدم وراسي تطن بالاسئلة
لماذا لا تمنح الحرية الجنسية للنساء مثل الرجال ؟
اجبتها لاننا مجتمع ذو عادات وتقاليد
: اننا مجتمع عاهر
اذا قاسيتي ظلم المجتمع !!
فاجاب وهدر صوتها مثل الطاحون
: لن يظلمني شي ولن اعطي الفرصة للحياة ان تعبث باقداري بل انا التي ساعبث ف اقدار الحياة
اراكي تقفين مفتوحة الصدر في وجه وحش الحياة
: الخوف هو الموت ذاته
فاثنيت علي كلامها باماءة من راسي فقالت
: هل اعجبك كلامي ؟
جدا
: اتريد سماع المزيد؟
بكل سرور
فتثائبت قليلا ثم اقترحت عليها ان نتمشي قليلا حيث ان الجلوس انهكني
فوافقت علي الفور
شعرت اليها بالفة قديمة وحميمية وانتابتني رغبة لمواصلة الحديث مع هذا الكائن الغريب
سالتها ان تكمل حديثها فالتقطت اطراف الحديث من حيث انتهت فاكلمت كانها لم تنتهي
: انت تريد الانصات الي وانا ايضا احب الكلام بالغرم من وجود كثير الرفاق وصفوف المعجبين لكنني اشعر بالوحدة في كثير الاحيان فاحدث نفسي
فسالتها هل عرفتي الحب يوما ؟
: الحب اسطورة قديمة لم اراها ولكني اظنه ضعف والضعف بالنسبة لي يعني الهلاك
كيف لامراة مثلك تعرف عديد الرجال ولم تعرف الحب ؟
: مدخل اي امراة هي عقلها اما من اعرفهم فهم يحبون جسدي الي ان ينثرو غبار نذوتهم لكن الحب لا شان له بالجسد فالحب تواصل ارواح
اشعر وكانك تقولين بما لا تؤمنين !!
: لا تقاطعني فانا لا احب القيود واعشق الحرية
انا احب اتعري في الحديث بحرية مثلما اتعري امام الرجال
الحرية هي من القت بك في طريق الهلاك
: تتحدث وكانني نادمة علي ما انا فيه .انا افعل ما تمليه عليا افكاري
انت متسيبة
: كلا لكني اعشق التمرد ف التمرد بالنسبة لي قيمة
لكن لابد من ترويض غرائزنا والا اصبحنا غابة
: ما اجمل الغابة التي لم تمسها يد بني ادم
ف صرخت منزعجا هذا جنون
ف ندت عنها ضحكة عالية احمر لها وجهها ثم قالت
: ف الجنون حياة ولا تلوم النهر عن القذارة بل القي اللوم علي هذا المجتمع المتدين كما قال الشاعر ارايت من نبذوك نبذ المشتري فلا الذنب نبذك انما ذنب المشتري
ف ران صمت للحظات غاب كل منا عن الاخر الي ان عاودت الحديث فسالتها
الم تخافي من الغد ؟

اكرر حديثي الم تخافي من الغد ف استفاقت من نوبة السرحان في ذعر
: معذرة
لا عليك ولكني سالت هل تخافين الغد
فابتسمت ثم نظرت الي فوق كانها تتذكر شي قم قالت ..احمد شوقي يقول
تمتع بالصبح مادمت فيه
ﻻتخف ان يزول حتى يزول
استطربت هذا البيت ثم قولت لكنك سوف تحتاجين المال في الغد القريب عندما ياخذ نجمك ف الافول وتذبل ازهارك ويضمر جسدك ويقترب قطار العمر من النهاية
قالت في استهانة
: انا لا اخشي الغد في اظنني رايت كل ما يمكن رؤيته في هذه الحياة لكني علي اي حال ابان السفر الي الخليج
يقولون ان سوق المصريات في نشاط مستمر

اليس هذا الخليج الذي علم والدك التزمت
قالت وقد عليت نبرتها ؟

: الحياة مليئة بالمتناقضات والاسئلة
فتسالت ماذا يخطر لك اذا من الاسئلة
قالت : حياة المراة مليئة بالاسئلة في مجتمعنا
في مجتمع يحقر من قدر المراة ويتفه من دورها ف الحياة
في مجتمع القهر لا يملك المظلوم سوي رفاهية السؤال

فسالتها بغتة ماذا عندك من الاسئلة ؟
: بل لدي الجواب ..الحرية

بلي فسالتها الايضاح فقالت :
لقد خلق الله للمراة عقل كما للرجل فلماذا اذا يحرم علينا استخدام ذلك العقل الذي ياخذنا احيانا للشهوة والاثارة واللذة لماذا دائما ارتبطت العفة بعدم التفكير في الامور الجنسية والف لماذا تطن في راسي وفي رؤوس النساء
فسالت ايضا ولماذا لم يرسل الله انبياء من النساء ؟
ولكن تشعب الموضوع والحنق الذي بدا علي وجهها جلعني احاول تغير مجري الحديث

فسالتها .هل ضريبة الحرية غالية الي ذلك الحد الذي يجعلك تدفعي امامها جسدك ؟

فتلعثمت خجلا ثم قالت :
هناك ثوارا يدفعون ارواحهم فداءا للحرية

كنت انست الي روحها المتقدة وراء الاطلال وبدات هي سعيدة ممتنة بالجو وظفرها بمستمع يتابع ما تقول باهتمام ولكن اشعة الشمس بدات تبثق افرعها علي سطح الارض فكان عليا انهاء اللقاء
وبعين امراة خبيرة لمحت ذلك بطرف عينها

فبادرتني قائلة
هل اراك ثانية ؟

دعي الامر للصدفة

:لقد ملات راسك بحديث لا يعني
كلا لاني استطربت الحديث اليك

ف افترقنا وذهب كل منا الي طريقه ولكنها لم تبرح بالي
غانية تتحدث في كل فخار ووقار ف هبطت الي راسي قول مولانا نجيب محفوظ
“بت أعتقد أن الناس أوغاد لا خلاق لهم و أنه من الخير لهم أن يعترفوا بذلك و أن يقيموا حياتهم علي دعامة من هذا الإعتراف و هكذا تكون المشكلة الأخلاقية الجديدة هي :
كيف نكفل الصالح العام و السعادة البشرية في مجتمع من الأوغاد؟

طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى