رفقًا بقلوب أنهكها الخذلان

صابرين سلامه

قبل أن تودعه نظرت طويلا في عينيه تتأملها للمرة الأخيرة فقد تكسر بينهما شيء ما سقط من عليين على أرضية صدئة غلفها الخذلان، نظرة أصابت قلبها المنهك المهترئ برعشة سلبت منها دفء روحها فتساءلت في صمت: أي حظ لعين ذاك الذي أوقعها في حبه لتتعثر في شتاته وتجد نفسها أمامه الآن مسلوبة الإرادة تتسول منه بوصلة ترسم لها طريق الوداع والنسيان؟
لم تجد إجابة تشفي بؤس روحها فأحست بالتيه تحت سماء بلا ألوان تساوت أمامها خطوط العرض والطول فانسحبت من أمامه متمنية أن تقع في إغفاءة موت يسكن فيها نبضها عللها تستريح.
عندما أقبل المساء وجلست بعقل يشبه قنبلة أوشكت على الانفجار استجمعت ما بقي للفؤاد من حنين مستعدة للبوح بما كان، ولكن لم تسعفها حروف الأبجدية لتصور تلك الرقصة المستعصية للألم بداخلها وما خلفه من ثقوب بين الحنايا جعلتها تموت ألف مرة بين بين لا حياة ولا موت، من أين تبدأ وهي في منتصف برزخ ظنت أنها تركض فيه مسرعة إلى النهاية، لكنها في حقيقة الأمر لم تكن تكف عن الدوران حول نفسها.
صوبت نظراتها نحوي وقالت في إصرار مميت: أظن أنه أتلف أحبالها الصوتية فخرج صوتها يشبه صوت وتر الكمان المقطوع “أحببته فخذلني”.. النهاية.
“الحب والخذلان” يا سادة رواية أزلية تمثلت أمامنا ألف مرة، تفاصيل المشهد نحفظها جيدا عن ظهر قلب نفس الأبطال وذات الخيبة إلا أننا ما زلنا نستأنس حيرتنا ولوعتنا ولسان حالنا يقول: هل من مزيد؟ حينما ألبسنا من أحببناهم تلك الهالة الملائكية نسينا أو تناسينا أنهم يرزحون تحت طوفان البشرية، توهمنا فيهم خلاصنا رسمناهم في مخيلاتنا كجني مصباح علاء الدين، ولو رأيناهم بعين الواقع بعيدًا عن مرايا القلوب ما رأينا سوى تلك الأجساد المكسورة المتوحدة مع ظلالها وعويلها البارد لا نفع فيها ولا عزاء.
رفقا بقلوبكم من الخذلان.. اسلكوا دروب الحياة مع من هو قادر على لملمة شتاتكم لا من يزيدكم غربة وتغريبًا كونوا لأنفسكم أولًا قبل أن تكونوا لغيركم، لستم أنصافا تبحث عن من يكملها، وعندما لا تسعكم قلوب أحبتكم أطلقوا الرصاص على الحبل السري الذي يقيدكم بهم ابحثوا عن ما يميزكم بعيدا عنهم حتى وإن كمن داخل نوبات جنونكم لا تكونوا سوى أنفسكم، وإن كان الخذلان ممرًّا ضيقا لطرقات وأزقة متهالكة فالأولى ألا نغمض أعيننا كالعميان تسحبنا أكف من توهمنا حبهم لتلقينا في ذلك الفراغ المقلق نتأوه وحدنا ولكن ازرعوا شيئا من الصبر على شرفات قلوبكم فما زان الصبر شيئا إلا أكمله، وليكن النسيان علاجا لشقاء ذاكرتنا ومواجهة الفقدان. انظروا خارج النافذة ثمة حياة تنتظرنا لذا توقفوا فقط عن الانتظار على رصيف اليأس وإلا ستكون وجهتنا عبثا في قطار بضائع لا نعرف إلى أين يمضي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي الزائر،،يرجى إيقاف حاجب الإعلانات ،، فمساهمتك تعمل على استمرار تقديم خدماتنا