طفل لم يتجاوز عمره الخمسة عشر عاما يجلس على محطة قنا ف انتظار اول قطار يصطحبه الى وجهة غير محددة ف الغالب ، و لكنها تنتهى به دائما فى محطة ادفو حيث يقبع هناك ليقضى ليلته نائما على ارصفة المحطة ف بادئ الأمر لم اكن اظن انه اكثر من مجرد طفل من اطفال الشوارع المنتشرين فى مختلف محافظات الجمهورية . لا ادرى ما السبب الذى جعلنى فى رغبة شديدة للحديث معه لا اعرف ما هوا سر جاذبية ذلك الوجه الاسمر صاحب الثغر الباسم رغم ما قد يظهر على عينيه من حزن . و كان ذلك و دار بيننا حوار لا ارغب فى تحسينه لغويا بل سوف انقله كما هوا …
عبدالله …. انت من فين ؟
انا…. من اسوان.
عبدالله … انا كمان من اسوان زيك.
انا …. من فين ف اسوان
عبدالله…. انت تعرف ايه ف اسوان
انا …. كتير انا بقالى عشرين سنة هناك
عبدالله …. انا من الكوبانية بس مش هاروح هناك هانزل ف ادفو .. “توضيح المسافة بين ادفو و اسوان 120 كيلو متر”
انا….. ليه هتنزل ف ادفو بعيدة !!
عبدالله … مهو انا هابات هناك زى كل يوم ع المحطة بطنيتى هناك اصلا مينفعش اروح مكان تانى .
انا …. طب ليه مش هتروح البيت ؟!
عبدالله …. مهو انا سايبه بقالى سنة و نص .
انا فى زهول …. ازاى قاعد برا البيت سنة و نص يابنى من غير متروح ولا تشوف اهلك و ليه اصلا تسيب البيت .!!!
عبدالله …. بسبب ابويا هوا اللى خلانى اسيب البيت كل شوية يقعد يضربنى من غير سبب و كسرلى دراعى مرتين و اخر مرة ربطنى و قعد يضربنى بالحزام على ضهرى من غير سبب شدنى من السرير لوحده كدا .
انا فى حالة من الصدمة لم اجيبه سوى سوى بكلمة” ليه كل دا ”
عبدالله …. ابويا اصلا متجوز على امى و مراته بتقوله يعمل فيا كدا و تقعد تسخنه عليا انا و اخواتى البنات . فسبتله البيت و مش هارجعله تانى والله ابدا لو عمل اللى ميتعملش .
انا …. طيب معندكش حد من قرايبك تروح عنده؟! .
عبدالله …. كل ماروح عند بيت عمى يجى ياخدنى من عنده .
انا …. يعنى انت مش بتشوف اى حد من قرايبك !!
عبدالله … لا مش باشوف حد منهم ..بس باشوف امى كل شهر و لا شهر و شوية بتجيلى على محطة ادفو بنقعد شوية مع بعضينا ولو معايا 100 ولا 200 جنيه باديهالها تمشى حالها بيها عشان ابويا مش بيديها غير 500جنيه كل مدة متكفيهاش هى و اخواتى البنات التلاتة و اخويا الصغير .
انا…. طب و انت بتشتغل ؟!!
عبدالله …. ايوة ياخى مش راجل يبقى لازم اشتغل معايا مبخرة بألف بيها عشان محدش بيرضى يشغلنى بيقولو انى صغير .
انا ….. بتشرب سجاير يا عبدالله
عبدالله مستنكرا ….. لا لا لا ياراجل ربنا ميكتبها علينا دى مرض صاحبه مبيعرفش يخف منه …تاخد فلوس و صحة .
و بينما نحن كذلك وصل القطار الذى كان ينتظره و اذا به يجتذبنى و يقول لى “يالا نركب مع بعض يامحمود تعالى ”
انا … لا يا عبدالله انا لسه قطرى جى بعد دا عشان دا اخره الاقصر مش بيكمل ف اسوان .
عبدالله …. طب بص هات رقمك بسرعة اكتبهولى ع المحمول بتاعى و سجله باسمك .
بعد ان انتهيت من تسجيل رقمه .. اجده يخرج من كيس يحمله فى يده قطعة “مولتو ” و هو يقول ” كل دى عشان يبقى عيش و ملح ” و اخذ يركض و هوا يقول ” هاكلمك يا محمود عشان اشوفك تانى ”
و بينما هوا يختفى عن انظارى تدور فى رأسى بضعة افكار كيف لهذا الاب القاسى ان يخسر فتى فى مثل تلك الاخلاق التى لم تتأثر بالرغم من حياته ف الشارع .
كيف لذلك الفتى ان يظل محتفظا بابتسامته رغم كل ما مر به و نحن نجد ان احدنا غارق ف الحزن لمجرد انه يرغب فى شراء قطعة من الملابس او تجديد باقة الانترنت .
هل لنا ان نغير وجهة نظرنا فى اطفال الشوارع من بعد هذه القصة التى سردتها عليكم ام اننا سنظل نعيش فى داخل فقاعة تعزلنا عن هؤلاء الاطفال الذين قد يكونو قد مرو بظروف كافية لتقضى على كل امل لهم ف الحياة بل و قد تنهى حياتهم .
لم اتمكن من حبس دموعى اكثر من ذلك فهذا الطفل جعلنى اشعر بالخذى و العار و استحقار الذات
كيف لى ان احزن و انا لى اب و ام يسعون لراحتى
كيف لى ان احزن و انا ملتحق بدارسة جامعية
كيف لى ان احزن و انا امتلك ما يكفى لسد جوعى
كيف لى ان احزن و انا قادر على التواصل مع اهلى متى اشاء .
كيف لى ان احزن و انا على قيد الحياة و بصحة جيدة
ف والله قد علمنى ذلك الفتى ان الحياة لا تستحق دمعة من عيني ولا حزن فى قلبى . تلك الحياة لا تساوى لحظة سعادة مع اهلك و اصدقائك او مع من تحب .
عبدالله قصة حقيقة بالكامل دون اى تعديل او حذف او اضافة حدثت معى اثناء انتظارى للقطار المتوجه الى اسوان .
0 237 3 دقائق