“أوراق ممزقه” الحلقه الثالثه والأخيرة بقلم غاده سمير

جلست نور تقرأ كعادتها أخبار الصباح ،وترتشف بعض من القهوه الصباحية ،وخلفها صوت فيروز يأتي عبر المذياع وهي تغني لتطرب الأذان، وتمحو قليلا من غبار صخب أغاني المهرجانات. وجاءتها كنزي لتخبرها أنها ستذهب وماري جارتهما وزميلتها بالمدرسة للكنيسه، فقد دعتها ماري لحضور قداس عيد الفصح ،واتفقتا سويا أنهما ستذهبان في صبيحة اليوم التالي لزيارة مسجد الحسين والسيدة زينب، نظرت إليها نور وقد شعرت بسعادة لهذه الصداقه الجميله التي تربط ابنتها بماري، فهي فتاه مهذبة لأب يعمل طبيبا وأم تعمل معلمه ،وهما مثال للأسره الراقيه المحترمه المتدينة، التي تشعر بالاطمئنان لإختلاط ابنتها بأبنتهما ،أعطت نور ابنتها الموافقه بايماءه من رأسها ،ثم نظرت إليها وهي تشير بعلامة تشجيع تعني أن الفكره راقت لها كثيرا ،،مما جعل كنزي تندفع وهي تضحك بسعاده داخل ذراعي والدتها، التي ضمتها بقوه وهي تقبلها وتشير لها بأن تلحق بماري التي أرسلت راقيه تطالبها بسرعه الخروج .
وجلست نور تستكمل القراءة ، وجاءت إليها راقيه لتوجه إليها أسئلتها المعتادة عن طعام الغداء وأشياء تخص ترتيب المنزل ،وصعدت نور الي غرفتها لتحصل علي قسط من الراحه ، ودون أن تشعر غلبها النوم لتستيقظ علي صوت راقيه وهي تبكي وتصرخ قائله. ..كنزي !!
قفزت نور دون أن تشعر من فراشها وهي تمسك بكلتا يديها وجه راقيه، وعيناها تتساءل في هلع عن ابنتها ،فأجابت راقيه أنها سمعت من خلال التلفاز بأن هناك تفجيرا قد حدث في الكنيسة التي توجهت إليها كنزي برفقة ماري واسرتها! !!
أسرعت نور تدير محرك السيارة ،بينما قفزت راقيه بجوارها دون أن تنطق بكلمه وهما ترتديان ملابس المنزل… لا تفكير الأن إلا في مصير كنزي وماري وأسرتها.
وتوجهت نور الي المشفى الذي نقل إليه الجميع، لم يطمئنها التصريح الذي إذاعته وسائل الإعلام بأن ليس هناك مصابين ،وأن الضحية الوحيده للحادث هو ضابط الشرطة المسؤل بتأمين الكنيسه، وهو المقدم مدحت صابر كما أعلن، وأسرعت للسؤال عن ابنتها وماري، واطمانت أنهما بخير، ولكن هناك بعض الإصابات والكسور نتيجه التدافع ولحظات الشعور بالهلع من الجميع ،وكانت ماري ترقد في السرير المواجه لكنزي، وقد وضعت ساق وذراع كل منهما داخل جبيره ،وعلمت أن ذلك كان نتيجه التدافع أثناء لحظات الجري والصراخ .
وجاءها صوت بكاء وصياح بالخارج، وانتابها الفضول لتلقي نظره، وعلمت أنها زوجه الشهيد الضابط ، وبينما تنظر إلي وجهها جيدا حتي صاحت …عبير علوي زميله الدراسه هي زوجه الشهيد ،هي زوجه الرجل الذي لولا تضحيته واحتضانه للقاتل وهو يحاول أبعاده عن الكنيسه لفقدت ابنتي الوحيده، وفقدت ماري واسرتها وكل الأبرياء داخل الكنيسه حياتهم، ثم همست في حزن كم انت صغيره أيتها الحياه علي رغم اتساعك!
ومنذ ذلك اليوم لم تفارق نور عبير فقد شاركتها أصعب لحظات حياتها ..لحظات الفقد والحزن وكأن الله قد أرسلها لتلك المرأه الوحيده ،لتجد الأخت والصديقه التي تمنتها بجوارها ، وأصبحت نور وأيضا كنزي وماري بعد تماثلهما للشفاء أعضاء جدد في أسره عبير، وكانتا كنزي وماري يمضيان معظم الوقت في اللعب مع أبناء عبير التؤامين فارس ومهند ،وكأن نور والفتاتين بداخل كل منهما اعتذارا خاصا وشعور بالامتنان بل والواجب تجاه هذه الأسره التي راح عائلها ليحمي أرواحهم من الموت .
وداخل هذا المنزل كان موعد نور للقاء أمير ،وهو الشقيق الأصغر للشهيد مدحت صابر، ويعمل أيضا ضابطا ،كان أمير رجل من طراز خاص يشعر من يراه بأنه إنسان قوي لا يعرف الخوف ابدا لقلبه طريق ذو ملامح تجمع بين الصرامة والجاذبيه ،ورغم اتسامه بالحزم والصرامه ،كانت نور تري ما يخفيه تحت قناع القوه -خاصه في لحظات اللعب مع أبناء شقيقه ،وبمرور الوقت تشكلت علاقه صداقه قويه بين نور وأمير ،أو الستار الذي أراد أن يخبا كل منهما مشاعره خلفه …(الصداقه)، ، فكم من المشاعر تخفي وراء هذا القناع ..
كانت نور تتأكد كل يوم بأن هناك شيئا خاصا جدا داخل قلب أمير تجاهها ، وهو الرجل الذي لم يتزوج من أجل عمله ،وعلمت من زوجة أخيه وصديقتها عبير بأن لديه تجربه واحده للحب، انتهت بالفراق من إنسانه لم تقدر اهميه عمل الرجل الذي ارتبطت به ،مما جعل أمير ينسي تماما أمر الارتباط ويعيش فقط من أجل عمله الذي يعشقه ويشكل له كل الحياه .
وبدأت نور تشعر بمحاولة أمير الاختفاء من حياتها ،وتعمد عدم التواجد أثناء زيارتها أو مصافحتها، والهروب من المكان بسرعه ،وبات لديها شعور قويا بأن هناك حربا وصراع قد سببته داخل قلب هذا الرجل، فالمرأة لا يمكنها ابدا إهمال هذا الصوت الذي يخبرها جيدا …بأن هذا الرجل يعشقها !!
ومرت أيام وأمير يستكمل رحله اختفاءه التدريجيه من حياه نور التي فشلت كل مساعيها لرؤيته أو سماع حتي صوته حتي جاءها اتصالا من عبير لتخبرها وهي تبكي أن أمير قد ذهب في مأمورية لمطارده بعض العناصر الإرهابية الخطرة
وأن هناك من استشهد من زملاءه، وهناك من عاد سالما ، أن أمير فقد ،ومازال البحث جاريا عنه،، ولم تعلن أي جهة مسؤلية إختطافه وهي ووالدته لا يعلمان من المسؤلين إلا بعض الكلمات البسيطه ،التي لم تجعل دموع والدته تتوقف، أغلقت نور السماعة وانتحبت في حاله لم تشعر بها منذ سنوات طويله… وهمست في حزن ….أمير !!
وبعد أيام من ذهاب و إياب و إعلانات وتصاريحات تم الإعلان عن إختطاف الضابط المصري أمير صبري من قبل أحد التنظيمات الإرهابية العالميه، واحتجازه في مكان غير معلوم ،،ولم يزد الإعلان عن إختطاف أمير إلا شقاء والدته وزوجه أخيه ، وأيضا نور التي عاشت بين مشاعر متناقضة. .. تخشي الأمل وتخشى الحزن.. ولا سبيل أمام الجميع إلا البكاء والدعاء لله بصدق بعودة الضابط المصري .
واستيقظ الجميع في أحد الأيام علي خبر انتشر بجميع مواقع التواصل الاجتماعي،، وهو عوده الضابط المصري البطل بعد عمليه فدائية من قبل القوات المصرية، استطاعو من خلالها القضاء علي عشرات الإرهابيين وتحرير الضابط البطل .
وأسرعت نور وعبير ووالده أمير الي المشفى، بعد الإتصال بالجهات المسؤله، والحصول على التصاريح اللازمه ،وهناك علم الجميع أن أمير قد أصيب بطلق ناري في مكان حرج بالصدر وبعد إجراء الجراحه اللازمه لاستخراجها مازال يحتاج الي بعض الجراحات بالخارج بعد تجهيز أوراق السفر له حتي يمكنه استطاعة النطق والحديث مره اخري .
توالت زيارات الجميع لأمير ،حتي كان ذلك اليوم الذي فتح عينيه ليجد نور بجواره تنظر إليه في سعاده ،بينما اندفعت والدته وعبير إليه في امتنان يحمدون الله علي سلامه عودته، كان يشير إليهم بأنه لا يستطيع الحديث وكما أخبرهم الأطباء أن التعامل معه يكون عن طريق الكتابه لصعوبة الأمر وخطورته، ،جلست نور بجواره، ثم أمسكت بإحدي الأوراق من أمامه ثم كتبت كلمه واحده بصيغة الاستفهام وهي ….تتزوجني؟ ؟
نظر إليها وكأنه يريد أن يخبرها أنها جننت، ثم ابتسم وحاول كتابه بعض الكلمات …كيف .. انا .. لا ؟ عقد زواج .. ؟صاحت وهي تنظر لوالدته وعبير اللتان كانتا تجلسان دون أن يفهما ماذا يدور خلف الكواليس …فابتسمت وهي تخبر والدته وعبير أن أمير لن يسافر لإجراء الجراحه بالخارج وحده، وستكون معه زوجته .!فسألتها عبير وهي تضحك بدهاء أنثوي ، ومن هي هذه السعيده ؟فنهضت نور واقفه وهي تشير لنفسها ….انا !
ثم اقتربت من عبير، وطلبت منها الاتصال ببعض الأصدقاء المقربين له، وأيضا صديقه المقرب حامد ليقوم أمير بعمل توكيل له للزواج من نور وبهذه الطريقه تحل المشكله .
وتم كل ما أرادت نور بعد الحصول علي موافقه رؤساءه ، وتحول المشفى الذي شهد حزن منذ أيام قليله ، لمكان يشهد ارتباط قلبين اراد أحدهما الهروب فغلبه… القدر .
وجاء يوم السفر، وذهب الجميع لتوديع نور وأمير الي المطار بابتسامة، وكأن الجميع عبير والأم و كنزي وماري وراقيه ومهند وفارس يلوحان إليهما ،حتي اختفيا عن الأنظار ذاهبين الي الأمل طامعين في ورقه جديد من أوراق الحياه أكثر نقاء وثباتا وقوة .
تمت .

طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى