قناة السويس مصرية لا أمريكية

1 / 100 نتيجة تحسين محركات البحث

بقلم: ناصر السلاموني

في سابقة أثارت دهشة المراقبين، صرّح الرئيس الأمريكي ترامب يوم السبت 26 أبريل 2025 قائلاً:
“يجب أن يُسمح للسفن الأمريكية، سواء العسكرية أو التجارية، بالمرور مجانًا عبر قناتي بنما والسويس!”
وأضاف أنه كلّف وزير خارجيته ماركو روبيو بالتعامل مع هذا الملف فورًا، مدعيًا أن هذه القنوات “ما كانت لتوجد لولا الولايات المتحدة الأمريكية”.

هذا التصريح، الذي مر دون ردود قوية من وسائل الإعلام العالمية المنحازة دائما لأمريكا وإسرائيل، يدعونا إلى العودة لصفحات التاريخ، لندرك حجم المغالطات الفادحة التي ينطوي عليها والمتاعب التى تتابع من ترامب لتصيب دول العالم أجمع.

فقناة السويس كانت وستظل ملحمة مصرية خالصة، لم تسهم الولايات المتحدة أو غيرها في حفرها أو إنشائها.
فمنذ العصور الفرعونية، أدرك المصريون أهمية الربط بين البحرين الأحمر والمتوسط. وفي القرن التاسع عشر، تولى المهندس الفرنسي ديليسبس تنفيذ مشروع حفر القناة بمباركة الخديوي سعيد بعد إقناعه بحفرها على الأرض المصرية وبسواعد المصريين وحدهم.حيث شارك في حفرها أكثر من مليون فلاح مصري تحت ظروف قاسية، سقط منهم عشرات الآلاف ضحايا الإهمال والأوبئة، لتُفتتح القناة عام 1869. لكنها سرعان ما وقعت تحت قبضة الاستعمار الفرنسي والبريطاني.

و قد خاضت مصر معارك متواصلة لاستعادة القناة، حتى أعلن الزعيم جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس عام 1956، متحديًا قوى الاستعمار، التي ردت بعدوان ثلاثي شرس متمثلاً في إسرائيل وفرنسا وبريطانيا. إلا أن صمود المصريين أفشل المؤامرة، وأعاد القناة إلى أحضان الوطن.
وفي عام 1973، خلال حرب العبور المجيدة، استعادت مصر سيادتها الكاملة على القناة، ثم أعيد افتتاحها بعد توقيع اتفاقية السلام.
وشهد عام 2015 توسعة تاريخية للقناة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مما عزز مكانتها كممر استراتيجي عالمي لحركة التجارة الدولية.
واليوم، وبينما تواجه الملاحة البحرية تهديدات متزايدة، يقود ترامب حربًا شرسة ضد الحوثيين الذين يهاجمون السفن في البحر الأحمر وقناة السويس، بحجة دعم غزة. والحقيقة أن هذه الهجمات تخدم إيران بشكل أساسي كورقة ضغط في مفاوضات الملف النووي.
ونعلم أن هذه الهجمات التي تنفذها الولايات المتحدة وحلفائها للدفاع عن إسرائيل تكلفها مليارات الدولارات لمحاربة الحوثيين وتأمين الممرات البحرية، إدراكًا لأهمية استقرارها، وهذا لا يصب فقط في مصالحها، ولكن أيضًا في صالح مصر التي تعتمد اعتمادًا حيويًا على عائدات قناة السويس في دخلها القومي.

من هنا نفهم أن تصريح ترامب حول المرور المجاني للسفن الأمريكية عبر القناة هو في حقيقته محاولة لفرض الهيمنة الأمريكية على مصر بفتح القناة لها، وتمكين قواتها التجارية والعسكرية من التحرك بحرية دون الرجوع إليها، مما قد يؤدي إلى تقليص عائدات الرسوم لصالح الولايات المتحدة، و واستعراض قدرتها على فرض إرادتها دوليًا.وانتقاصا للسيادة المصرية.كما أن هذا التصريح يختبر رد فعل مصر، ويقيس مدى قدرتها على مقاومة الضغوط الأمريكية أو يقيس مدى حاجتها للدعم الأمريكي.
ومن هنا أتوقع أن الضغوط الأمريكية قد تدفع مصر إلى تعزيز تعاونها مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا كنوع من الضغط المضاد.
و نعلم أيضا أن قناة السويس تخضع لاتفاقية دولية (اتفاقية القسطنطينية لعام 1888)، لذا يجب أن يكون الرد المصري بتحريك الجهود الدبلوماسية الدولية، والحصول على دعم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لحماية حقوق مصر السيادية.
ما بين تضحيات الأمس في حفر القناة وتحديات اليوم في الحفاظ على حقوقها، تبقى قناة السويس رمزًا خالدًا لكبرياء مصر وقوة إرادتها. وسيظل الشعب المصري، الذي قدم ملايين الشهداء من أجل أرضه وكرامته، وفيًا لهذا الإرث العظيم، وقادرًا على الدفاع عنه في وجه أي محاولة للمساس به.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي الزائر،،يرجى إيقاف حاجب الإعلانات ،، فمساهمتك تعمل على استمرار تقديم خدماتنا