رؤيا النائم بين الاسترشاد والوهم

متابعة/هناءالسيد

مع الدكتور/مصطفي على قرمد مدرس أصول اللغة العربية بجامعة الأزهر
كثير منا ما يعرض له في نومه رؤى وأحلام، فتنبعث منها في نفسه البشرى والأمل، أو ينتابه منها قلق ووجل، ويعلق ما رآه في نومه بما يشغله في حياته ومهم أمره، وتذهب النفس في تأويلاتها كل مذهب، بل ربما يقف حياته على أحلامه، ويقظته على منامه، وقد كان له في تعليم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الأسوة على الحسنة حيث قال: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ، فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ» مسند أحمد:37/275.
وفي هذا إرشاد لمن أراد، وأسوة لمن تأسى، لكن أن يعلق الإنسان حياته بما يراه في نومه، ويحَكِّم منامه في يقظته، ويوهم نفسه بصحة هواجسه، فذلك مما ينبغي الانصراف عنه، والانشغال بما يتعين عليه الانشغال به من الجد والسعي، قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ (الكهف:30) ، وقال تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾ (النجم:39، 40)، وهي دعوى للعمل والأخذ بالأسباب، وعدم الركون إلى الهواجس، والأحلام، والسعي في بناء الذات والمجتمعات بالعلم والعمل، وتحصيل خير الدنيا وثواب الآخرة، فليس كل ما يراه الإنسان في منامه ثابت الوقوع، فكم من أحلام تبددت ولا صدى لها مع تعاقب الأيام، كما أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه من قبيل الرؤيا الصادقة، فعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: «الرؤيا ثَلَاثَةٌ: الهَمُّ يُهَمُّ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ النَّهَارِ فَيَرَاهُ فِي اللَّيْلِ، وَحُضُورُ الشَّيْطَانِ، وَالرُّؤْيَا الَّتِي هِيَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ»
فلا ينبغي للإنسان أن يركن لخياله في هذا الشأن فيعطل حاضره، ويروع نفسه بشيء استشعر منه السوء، ولله در القائل:
العَيْشُ فِيمَا يَرَاهُ يَقْظَةٌ شُغِلَتْ بِالسَّعْيِ وَالجِدِّ لا رُؤْيَا وَلا حُلُمُ
وعلى الإنسان أن يحرص على تزكية نفسه، وصلاحها، وحملها على الفضائل، فهو أولى من الانشغال بهواجس الفكر، وخواطر النفس بتأويلات فقدت معطياتها عند من انشغل بها وشغل حياة الناس عما هو أولى، فقد روى عن أبي حامد الغزالي «أن الجنيد رؤي في المنام بعد موته، فقيل له ما الخبر يا أبا القاسم، قال طاحت العبارات، وفَنِيت الإشارات، وما نفعنا إلا ركعات ركعناها فى جوف الليل» ولذا عقب حجة الإسلام الغزالي: «لا تكن من الأعمال مفلسا ولا من الأحوال خاليا، وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد»
فإذا كان هذا حال العلم الصحيح، فكيف بمن انشغل بأوهام نومه، وليس ذلك يعني إنكارا الاستبشار والتفاؤل برؤيا صالحة، تبعث النفس على الجد وفعل الخير، فشتان بين من هذا حاله وبين المستكين لوساوسه وخواطره.

طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى