قصص وعبر في السيرة النبوية

بقلم أسماء محمود
كان كعب بن الأشرف اليهودي شاعراً و إعلامياً وسيماً مشهوراً في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم، منتهى الأناقة و اللباقة، غنياً يملك أموالاً طائلة، و يسكن في حصن منيع في شرق جنوب المدينة خلف ديار بني النضير.
تخصص الإعلامي القذر كعب بن الأشرف في تشويه صورة الإسلام و المسلمين، و التحريض على قتلهم و سحقهم، و تلميع صورة الفسقة من الكفار و المنافقين، و آذى رسول الله و الصالحين بتصريحاته ( أشعاره ) و افتري عليه في برامجه ( مجالسه ).
بعد غزوة بدر انضم كعب بن الأشرف لرجال أعمال قريش الفاسدين من أصحاب المصالح الذين رأوا في الحكم الإسلامي خطراً يهدد مصالحهم، و ذهب إليهم بنفسه إلى مكة ليُحرِّضَهم و لما سأله أبو سفيان والمشركون: أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه؟ وأي الفريقين أهدي سبيلاً؟ فقال: أنتم أهدي منهم سبيلا، وأفضل، وفي ذلك أنزل الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} النساء: 51.
ثم رجع كعب إلى المدينة، وأخذ يشنع على نساء الصحابة، ويؤذيهم بسلاطة لسانه أشد الإيذاء.
وحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لكعب بن الأشرف ؟ فإنه آذى الله ورسوله)، فانتدب له محمد بن مسلمة، وعَبَّاد بن بشر، وأبو نائلة ـ واسمه سِلْكَان بن سلامة، وهو أخو كعب من الرضاعة ـ والحارث بن أوس، وأبو عَبْس بن جبر، وكان قائد هذه المجموعة محمد بن مسلمة.
و استأذن محمد بن مسلمة الرسول صلى الله عليه و سلم في أن يقول على الرسول قولاً يحتال به على كعب ابن الأشرف فأذن له.
ذهب محمد بن مسلمة، كممثل عن جماعته فقال: إن محمداً طلب منا أن ننفق عليه، و أتعبنا.
قال كعب: والله لَتَمَلُّنَّهُ ( سوف تَمَلُّوُن مِنهُ )
قال محمد بن مسلمة: فإنا قد اتبعناه، فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه وقد أردنا أن تسلفنا وَسْقـًا أو وَسْقَين.
فطلب منه كعب رهناً ففاوضه محمد بن سلمة حتى اتفقا أن يرهن له السلاح.
وصنع أبو نائلة مثل ما صنع محمد بن مسلمة. و جعل يشكو من الرسول ليطمئن كعباً.
وقال أبو نائلة أثناء حديثه إن معي أصحاباً لي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم، فتبيعهم وتحسن في ذلك.
وفي ليلة مُقْمِرَة ـ ليلة الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 3 هـ ـ انطلقت السرية إلى حصن كعب بن الأشرف، و نادى عليه أبو نائلة، من خارج الحصن، فقام كعب ابن الأشرف و نزل إليهم، متعطراً بعطره الفاخر.
و كان أبو نائلة قد قال لأصحـابـه: إذا ما جاء فإني آخذ بشعره فأشمه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فاقتلوه، فلما نزل كعب إليهم تحدثوا معه و استدرجوه للمشي بعيداً عن حصنه فقال أبو نائلة وهو في الطريق : ما رأيت كالليلة طيباً أعطر، أتأذن لي أن أشم رأسك ؟ قال: نعم ، فأدخل يده في رأسه فشمه وأشم أصحابه، و بعد فترة طلب منه شم عطر رأسه مرة أخرى، حتى اطمأن و بعد مدة عاد يطلب شم رأسه فاستمكن منها و قتلوه و جُرِحَ الحارث بالخطأ.
وعادت السرية، للمدينة فلما وصلوا كبروا و كبر رسول الله، فلما انتهوا إليه قال: (أفلحت الوجوه)، قالوا: ووجهك يا رسول الله، ورموا برأس الطاغية بين يديه، فحمد الله على قتله، وتفل علي جرح الحارث فبرأ، ولم يؤذ بعده.
ولما علمت اليهود بمصرع طاغيتها كعب بن الأشرف دب الرعب في قلوبهم، وعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يتوانى في استخدام القوة حين يري أن النصح و السلمية لا يجديان نفعاً فلزموا الهدوء، وتظاهروا بإيفاء العهود، واستكانوا، وأسرعت الأفاعي إلى جحورها تختبئ فيها.
لم يقتل كعب ابن الإشرف مسلماً بيديه و إنما حرض على المسلمين و ضلل الناس و أثار الفتنة.
قال تعالى: ((واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنه اشد من القتل)) من الآية 191من سورة البقرة.
((والفتنه اكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا)) من الآية 217من سورة البقرة.
سيقول البعض لكن الرسول رفض قتل كبير المنافقين عبدالله بن أبى بن سلول.
و الإجابة ببساطة أن عبدالله بن أبى بن سلول كان يصلي خلف الرسول و كانت خيانته في قلبه و أقصى ما صدر منه لمز في السر، و لم يكن منه ثمة خطر حقيقي، و كان تحت يد الرسول و رقابة الصحابة و أولهم ابنه المؤمن، فلم يشأ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول الناس إن محمداً يقتل أصحابه.
النص الأصلي في كتاب الرحيق المختوم في السيرة النبوية الشريفة .

طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى