(الطيف الباهت ) قصه في ثلاثة حلقات الحلقه الاولي بقلم :غاده سمير

كثيرا ما نحيا داخل دائرة الوهم الذي ربما يتجلى لنا من وراء نافذه حلم بحياة ،أو تمني شيء طالما رسمناه في مخيلتنا ساعات وأيام واستغرق منا الوقت والجهد الكبير ،الوهم يقودنا إلي تصديق ما لا يصدق وحياه ربما لا نرغبها، ولكن نصاب بالدهشة حينما يتحول الوهم إلي عشق ،و أن يصبح الخيال هو المفر الحقيقي والوحيد من الواقع .
”نغم ” فتاه رقيقه الملامح ،ذات ملامح طيبه، تشعر من يراها للوهله الأولي أنه يمتلك معها الكثير من ذكريات الطفولة والشباب والنضج، الذي ما زالت تقف حائرة لتطرق أبوابه وتنتظر أن يفتح لها ..تنتمي لأسره ممن يطلق عليهم الطبقه المتوسطه ،لديها شقيقتين ”لحن ” و”غنوه” ،أطلق والدهما عليها أسماء تعكس عشقه لعالم الموسيقي، الذي تمني أن يلحق يوما بركابه ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فهو عم ”عبد العاطي ” سائقا خاصا لمدير أحدي المؤسسات الحكومية المرموقه” وهو علي بك الناجي ” أو كما يطلق عليه ”’الباشا” .
أخذت ”نغم ” من والدها عشقه للموسيقي، ومن والدتها الملامح الطيبه الهادئه، وتميزت هي برومانسيتها الشديده الحالمه، علي النقيض من شقيقتيها اللتين اصرتا أن ياخذا منعطفا آخر ،ليشعرا الجميع أنهما مختلفتين ولا فرق بينهما وبين الذكور الذين دائما كانوا رغبه الوالد المكتومه، و التي لم تتحقق طيلة سنوات العمر .
تخرجت الفتيات من الجامعه اختارت ”نغم ” دراسه الموسيقي العربيه وتفوقت، مما جعلها تكمل طريق الدراسه الأكاديميه ،وتبدأ رحله الدراسات العليا ،وتخرجت شقيقاتيها من كليه التجاره والآداب ،وفضلن الوظيفه الحكوميه، و التي كان الفضل في حصولهما عليها يعود الي علي بك الناجي أو ”الباشا ”.
عاشت ”نغم ” حياه بسيطه كحلقه مفرغة تدور داخلها ما بين البيت والمعهد والدراسه، ولكن كانت الحياه لا تخلو من بعض اللحظات الجميله في ليالي السمر الدافئة مع والديها وشقيقتيها والأب يعزف بعض الألحان علي اله ”العود” التي يعشقها وتغني الفتيات وسط ضحكات الأم الطيبه التي كانت تخفي علي الجميع أوجاع المرض الذي طالما تحملته من أجل أن تري هذه الوجوه الضاحكة وتسمع هذه الأصوات التي تفيض بالحب والسعاده .
هي الحياه شئنا أم أبينا لم تمهل الاسره السعيده كثيرا من الهناء، فقد اختطف المرض اللعين الأم ،وعرفت الأسره لأول مره معني ”الفقد”.
عانت الفتيات كثيرا بعد غياب الأم ولكن أكثرهن معاناه كانت ”نغم ” الابنة الرقيقه الأكثر ارتباطا بالام… عانت.. تألمت.. بكت.. تمنت أن يكون هناك اله لإرجاع الزمن أو إرجاع من رحلو بلا عوده ولكن هذا هو المستحيل الذي لم ولن يخترع يوما .
تزوجت ”لحن ” من زميل لها بالشركة هو ”عادل ” و تزوجت ” غنوه” من ابن عمها الوحيد وحب الطفوله ”ممدوح ” الذي فضل التجاره علي الوظيفه فامتلك محلا لبيع الأدوات المنزليه بمساعدة والده، واستطاع أن يجعله متجرا كبيرا بسرعه .
ولم يتبقى في المنزل غير ”نغم ” ووالدها، ولم تعد جدران المنزل تسمع صوت الضحكات ولا أنغام عم ”عبد العاطي” الذي ظل بعد عودته من العمل لا يفعل شيئا سوي أن يجلس أمام ”التلفاز” ولا ينهض إلا للصلاه أو الحصول علي قدر قليل من الطعام .
وتحولت ”نغم ” إلي فتاه اخري لا تعرف طريقا إلي الضحك … تذهب الي المعهد ،تدرس فقط لتعود لتعد الطعام لها ولوالدها، حتي جاء اليوم الذي غير كل شيء ..فقد سمعته.. حدثها.. ناداها كثيرا اخبرها انه يعرفها جيدا … يعرف كل شيء عنها … سرد لها الكثير والكثير من الأحداث التي مرت بها ..كانت تشاهده في المعهد والشارع ..سألته كثيرا من أنت؟ فلم يجب كان يبتسم في هدوء وينفث دخان سيجاره ويرمقها بنظره ثم يختفي .
جلست كثيرا تفكر من هو ..أرادت أن تعتصر تلك الذاكرة وان تفتش بداخلها عن هذا الوجه ، تلك الملامح التي تألفها جيدا ،هذا الصوت الذي كأنها سمعته كثيرا متي لا تعلم؟ وأين لا تعلم؟ أيضا ولكنها تعرفه.
تحدثا كثيرا في كل شيء وعن كل شيء. كان يحادثها ساعات كثيره ..يسرد لها كل ما فعلت أثناء اليوم ..كانت تخشاه في البدايه وتفكر من هو؟ ومن أين جاء؟ وماذا يريد منها؟ ، كانت تخشي وجوده وبمرور الوقت تحول الخوف من وجوده إلي الخوف من عدم وجوده ..سألته عن اسمه كثيرا فقال لها لقد ولدت يوم أن حدثتك اختاري انتي لي اسما، وأمام اصرارها علي معرفه اسمه اجابها بعد صمت طويل ”عدنان” وأصبح ”عدنان ” هو الرفيق الذي لا يفارقها…يحدثها ويسمعها ويقسو عليها ويشعرها بالغيره اذا حدثت أحد من زملائها في غيابه، وبدأت تشعر بالسعاده لوجوده وتسألت ماذا لو تذوقت الفقد للمره الثانيه ففي المره الأولي فقدت امها أقرب إنسان لها في الوجود ..والآن ربما تفقد ”عدنان” الرفيق الذي تعرفه ولا تعرفه …الطيف الذي يحيط بها ويشعرها بالوجود ..القاسي الحاني والعاشق الذي لا يستطع إخفاء عشقه أو البوح به . وبدأت شقيقتها ”غنوه”الإلحاح علي والدها بالزواج ورشحت له شقيقه صديقتها الأرملة وتحمس الأب للفكره سريعا مما أثار الحزن في نفس ”نغم ”.
انتظرونا في الحلقه الثانيه من ”الطيف الباهت ”

طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى