حتى يكتب لنا الله أجرًا عادلًا

بسمة حجازي
يقولون لنا إن رمضان هو شهر الخير والرحمة والمغفرة، لكننا- بكل أسف- نحول هذا الشهر الكريم كل عام إلى موسم للتناحر، والتواكل، وشحن الكراهية فى القلوب، والكسل فى الأجساد والعقول.
نصوم، ونصلى، ونزكى، ونبتهل، نعمل صالحًا لمعرفتنا أن الله ينظر إلينا فى هذا الشهر الكريم، تعلو درجات الإحساس بالغير، فنحسن إلى من نعرف، وإلى من لا نعرف، نمد أيادينا فى النهار إلى فعل الخير، نتحمل الجوع والعطش فى النهار، نصبر حتى يكتب لنا الله أجرًا عادلًا، وحينما يرتفع أذان المغرب نجتمع حول الموائد لنأكل من طيبات ما رزقنا الله به، نصبح يدًا واحدة تمتد إلى طبق واحد فى توقيت واحد، ولسان واحد يردد «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت»، وحينما يأتى ميعاد صلاة العشاء، وما بعدها من صلاة التراويح، تتحول تلك الوحدة بقدرة قادر إلى فرقة وكراهية وخنوع.
يرتفع الصوت «اللهم عليك بالنصارى.. اللهم عليك باليهود»، ناسين أن الله ذاته حرم المساس بأصحاب الديانات الأخرى، وأن من بين هؤلاء النصارى إخوة لنا فى الوطن والحرب والعمل، وأن من بين اليهود أناسًا يقولون الحق، ويجهرون بمعاداة الباطل، وأنه حتى لو أن المقصود باليهود «إسرائيل» فإن هذا الكيان المتعدى الغاشم لن يخرج من أراضينا بالدعاء، لأنه لم يدخلها بالدعاء، ناسين دوما أن الله- كما قال نزار قبانى- يهب النصر لمن يشاء، وليس حدادًا يصنع لنا السيوف.
لم تنفعنا هذه النوعية الأدعية قديمًا لتنفعنا الآن، ولم يحدث فى التاريخ أبدًا أن هزم المسلمون أعداءهم بالدعاء فحسب، وخلاف أنها لا تنفع فإنها أيضًا تضر، لأنها أولًا تعمق الكراهية فى القلوب، لكل أصحاب الديانات الأخرى، وبالتالى تزرع الفُرقة بين أبناء الوطن الواحد، وثانيًا ترسخ روح التواكل لدى الناس، فيظنون أن الدعاء هو السلاح الأقوى فى مواجهة عدوان المعتدين، ويومًا بعد يوم نحصل على العار من طرفيه، فنتحول إلى شعب كاره وكريه من ناحية، ومن ناحية أخرى نتحول إلى أمة من المتكاسلين الذين يفرغون شحنات غضبهم فى ميكروفونات المساجد، ويقاتلون الأعداء عبر الحناجر، ويهزمونهم بالدعاء فحسب، فيظل العدو على ما هو عليه من تجبر، ونظل نحن على ما نحن عليه من هوان.
أتمنى أن يأتى اليوم الذى نبتهل إلى الله فيه ليوفقنا فى العمل، ويعيننا على الأمل، ويكلل جهودنا بالنجاح، ويوفق جنودنا لما فيه الفلاح.. أحلم باليوم الذى نرفع فيه شعار الاعتماد على النفس، طالبين من الله أن ينير أبصارنا وقلوبنا، وأن يجعلنا فى صدارة الأمم، وأن يحفظ مصرنا من كل شر، ويحفظ أبناءها جميعًا من كل خبث، وأن يوفق الطالب فى طلبه، والعامل فى عمله، والفلاح فى أرضه، والعالم فى معمله، والأديب فى كتابته، وآخر دعوانا أن يؤهلنا الله لنصبح جديرين بأن نكون مصريين.

طوبيا اكسبريس
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى